ذكر في الحديث أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً، فجاء إلى عابد راهب في صومعته فقال: أرايت لو تبت أيتوب الله علي؟ قال: أعوذ بالله، فبعد تسعة وتسعين لا توبة لك.
فأكمل به المائة، ثم جاء إلى عالم فقال: هل لي من توبة؟ قال: سبحان الله! ومن يحول بين العبد وربه، تب يتب الله عليك، ولكن إذا كنت عشت في هذه البلدة، وقتلت مائة نفس فلا تبق فيها، فاخرج منها إلى تلك القرية الفلانية، فإن فيها أقواماً صالحين يعبدون الله فكن معهم، وهنا نعرف خطر الجليس السيء، وبركة وخير الجليس الطيب.
كما جاء في الحديث: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء ... ) ، فالجليس الخبيث كنافخ الكير إن لم يأتك شرر ناره يؤذك بريحه، أما الجليس الصالح فكبائع المسك إن لم تشتر منه فإنه سيحذيك، فبعض الناس يمر على صاحب العطر، ويسأله: أعندك عود طيب؟ فيقول: نعم.
ويفتح القارورة ويطيبه، فهذا أقل شيء.
فأقل شيء أنك ستشم الريح الطيب من بائع المسك.
فخرج قاتل المائة، وفي أثناء الطريق أدركته المنية فمات، فتأتي ملائكة الرحمة وتأتي ملائكة العذاب ويختصمون فيه، فملائكة العذاب تقول: هذا ما عمل حسنة واحدة، وملائكة الرحمة تقول: هذا رجل مقبل علينا، تاب إلى الله توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، فاحتكموا فيما بينهم أيهم يتولى أمره، فأرسل الله سبحانه إليهم ملكاً على صورة رجل، فقال: قيسوا ما بين البلدين، فأيهما كان أقرب إليها ألحقوه بأهلها.
فقاسوا فإذا المسافة بينه وبين البلدة التي خرج إليها أقل بذراع واحد فقط.
وفي بعض الروايات أن الله أوحى إلى هذه أن تباعدي وإلى تلك أن تقاربي، وزوى الله الأرض، وفي بعض الروايات: فأومأ -وهو ميت- بصدره إلى جهة القرية التي خرج إليها، فتولته ملائكة الرحمة.
والذي يهمنا أن ذاك العابد الجاهل جهله قتله، وهذا العالم أفتى بعلم فنجا، ونجى هذا الرجل من الموت والهلاك والأمثلة في هذا عديدة، ونرجو المولى سبحانه أن يوفق الجميع لسلوك طريق العلم مهما كان، وبأية وسيلة.