نحن نعلم بأن العلم في أقطار الدنيا، والجامعات الإسلامية وغيرها في المدينة وغيرها من أقطار العالم الإسلامي، ولكن حينما يأتي الطالب إلى الجامعة، ويسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى جامعات العالم الإسلامي يجد للحديث تلاوة جديدة لا يجدها في غير ذلك المكان؛ إذ كان أول مدرس ومعلم في تلك المدرسة جبريل عليه السلام، فكان يلقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمع المسلمون منه، كما جاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
قال: صدقت.
فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال: ثم انطلق فلبثت ملياً، ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) .
وهكذا كان المسجد النبوي أولى الجامعات الإسلامية بالمسمى الحديث، وكان أول معلم فيه جبريل عليه السلام، فيأتي إلى رسول الله ابتداءً بالوحي، ويأتي إلى جلساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فيعلمهم أمر دينهم، ومن ثم ما وجد كتاب كتب في العالم، ولا أقيمت صلاة في العالم، ولا نادى مناد على منارة في العالم، ولا صيم رمضان في العالم، ولا أديت زكاة في العالم، ولا جاء حاج من العالم إلا من آثار تعليم هذه الجامعة المحمدية.
فإذا جاء إنسان إلى أكبر جامعات العالم، وسمع كتاب الله، وسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء هو بنفسه وسمع تلك الآية وسمع ذاك الحديث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ثم والله ليجدن لتلك الآية ولهذا الحديث من الأثر في قلبه ما لم يجده هناك؛ لأن الإنسان يتأثر، ومقوماته تتأثر بالزمان وبالمكان.
فإذا ذهبنا إلى المدرسة أو إلى المعهد، وسمعنا المدرس يشرح حديثاً، أو يشرح آية، ثم جئنا إلى صلاة الجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعنا الإمام على المنبر يتلو تلك الآية، أو يتلو ذلك الحديث وجدنا لهذه التلاوة الجديدة ولهذا الحديث -لانطلاقها من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- أثراً أعظم في نفوسنا.
وبهذه المناسبة أنبه طلبة العلم بالمدينة أنهم مكلفون من جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمّلهم الوصية والأمانة بأن كل من قدم من الخارج من أقطار الدنيا يطلب علماً فإنه يجب عليهم أن يعلموهم، ويجب عليهم أن يستقبلوهم، ولئن كانت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فتحت أبوابها واستقبلت طلابها، فإن الأحق بذلك والأسبق إليه هو المسجد النبوي الشريف، وأسأل الله تعالى لي ولكم جميعاً التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم من طلبة العلم العاملين به، وبالله تعالى التوفيق.