قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تباغضوا) .
فبدأ بالحسد، والحسد جر إلى تكليف المحسود بغرامة، وليس الحسد في النفس فقط، ولكنه تعدى إلى الضرر، فهو يجر إلى التلف وإلى الغرامة، وعندما تغرِّم إنساناً شيئاً في غير محله أيحبك أم يبغضك؟ فالحسد هو أصل الخطأ في التباغض، فكم أدى إلى أن يبغض الناس بعضهم، وإذا كان الناس يعيشون متحاسدين متباغضين يبغض بعضهم بعضاً، فأية حياة هذه؟ فقوله: (ولا تباغضوا) أي: لا يبغض بعضكم بعضاً.
وإذا ما تباغض الناس فهل يتصافحون ويتعانقون أم يتدابرون؟ ولهذا قال: (ولا تدابروا) ، والتدابر: أن يعطي كل واحد ظهره للآخر، فبدلاً من أن يقبل عليه بوجهه يوليه ظهره، ويدبر عنه، والتدابر هذا نتيجة البغض، والبغض جاء من الغرامة التي كانت في النجش، والنجش وسببه الحسد؛ فرجعت هذه الخطايا كلها إلى الحسد.
وقوله هنا: (ولا تباغضوا) لكون هذا العمل كأنه يهدم كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية؛ لأن الإسلام جاء ليؤلف بين الناس، فأذهب الحواجز التي تفرق بين غني وفقير، وأمير ومأمور، ولذا قال صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي: (وكونوا عباد الله إخواناً) ، فحقيقة الإسلام، وحقيقة الرسالات في الأمم كلها المؤاخاة بين بني الإنسان؛ لأنهم في الأصل إخوة أبوهم واحد وأمهم واحدة.
ولكن الحسد الذي يتعدى إلى الضرر يأتي بالتباغض والتدابر، وإذا وقع التدابر وقع التباغض.
وهل قوله: (ولا تباغضوا) ، يتضمن النهي عن النجش وعن هذه الأمور؟
وصلى الله عليه وسلم أن كل ما فيه إيجاد التباغض بين أفراد الأمة يجب على الإنسان أن يتجنبه، إن لم يكن تديناً فمن باب المروءة.
فعلامَ تبغض إنساناً مثلك فإن أخذ لك حقاً فإما أن تعفو وتصفح وتغفر، وإما أن تأخذ حقك بالمساواة، وبلا تباغض.