أويس القرني، أويس رجل من أهل اليمن أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب به، فقال له: (إن استطعت أن يدعو لك فافعل) وذكر له صفته.
عمر وفود اليمن: أفيكم أويس القرني؟ إلى أن وجده فقال: ادعُ الله لي.
قال: كيف أدعو لك وأنت أمير المؤمنين؟! قال: ادعُ الله لي أولاً، فدعا له، ثم قال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصاني بك.
قال: أما وقد علمت بذلك فأنا أريد أن أخرج من المدينة.
قال: إلى أين ستذهب؟ قال: إلى العراق.
قال: سوف أعطيك خطاباً لعامل العراق.
قال: أريد أن أكون في عامة الناس، لا يعلم بي أحد.
ثم ذهب يعمل أجيراً عند رجل، فكان عمر يوصي وفود أهل العراق أن يسلموا عليه.
فكان الحُجاج يسألون عن أويس القرني: أين هو؟ وأين محله؟ وعند مَن؟ حتى استدل عليه رجل وقال: أوصاني عمر أن أبلغك السلام، فقال: ألقيت عمر؟ قال: نعم، فخرج من الكوفة، ولم يعلم به أحد فيما بعد! فهذا يريد أن يكون في عامة الناس، على ما هو عليه من منزلة عند الله، ولا يرغب في الدنيا، حتى عمر يقول له: أعطيك كتاباً كوصية، فرفض، والشخص منا عندما يكون له حاجة عند إنسان، ينظر! صديقه ليكون الواسطة، فيقول له: اعمل معروفاً وأعطني خطاباً له، ووصِّه عليَّ، وهذا أمير المؤمنين يريد أن يكتب لعامله ليكرمه، فيقول: لا أريد أحداً يعلم بي، أريد أن أكون في عامة الناس! وعمر بن عبد العزيز كان من أعظم الشباب تمتعاً، وفي أبهه.
يقول بعض المؤرخين: كان إذا لبس حلة وخلعها لا يرجع إليها، وإذا أرسل حلة للغسال ليغسلها فإن الناس يرسلون ثيابهم لتغسل عند هذا الغسال لتُغسل عقب ثياب عمر وتصيب من طيبها! وحينما تولى الخلافة خرج من هذا كله، وزوجته كان أبوها خليفة، وأخوها خليفة، فقال لها: يا فاطمة! أنا تركت الدنيا وخرجت منها واشتغلت بهؤلاء الناس، فإن كنت تريدين البقاء معي على ما أنا عليه فابقي أو فاذهبي إلى أهلك! فقالت: بل أكون معك.
وعندما أراد أن يُصْلِح بيته كانت تصنع الطين وتناوله إياه، فهذا هو الذي خرج من الدنيا فعلاً بعد أن امتلكها.
وكذلك مصعب بن عمير الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرئ أهل المدينة، ويعلمهم الإسلام، فبعد بيعة العقبة الثانية ذهب إلى الأوس والخزرج على مياههم ليدعوهم إلى الإسلام.
يقول الذهبي في ترجمته: مَرَّ ذات يوم على أصحاب رسول الله فخفضوا رءوسهم حياءً لأنهم لا يجدون ما يكسوه، وكان عليه إزار مرقع بقطع من الأدم أي: الجلد!! وكانت أمه ذات ثراء، وكانت تكسوه اللين من الثياب، وتطعمه الناعم من العيش، فترك ذلك كله لله ولرسوله، وترك أمه وكل نعيمها وأموالها مسخرة لخدمته وترفيهه، فأسلم فخرج من هذا كله، وهاجر وصار رداؤه وإزاره مخرقاً ومرقعاً بجلد، وربما كان جلد قربة قديمة أو جلدَ فروة أو شيئاً من هذا يُرقَّع ثوبه به! ومع هذا كان هو الداعية الأول، والمعلم الأول في المدينة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها.