بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملتُه أحبني الله وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) .
حديث حسن، رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة] .
أيها الإخوة! نجد في ألفاظ هذا الحديث تصويراً لاتجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبُعد غايتهم، فهذا رجل جاء يسأل رسول الله عن عمل، لا لمال يحصل عليه، ولا لرئاسة يتولاها، ولا لمفخرة في الدنيا؛ ولكن جعل نصب عينيه أن يكون في الدنيا محبوباً عند الناس، وفي الآخرة محبوباً عند الله، فمحبة الله سبحانه غايته، وهكذا حال الصحابة يسعون بكل أعمالهم للحصول على شرف محبة الله سبحانه، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ، وإن تبادل المحبة بين العبد وربه أمر عجيب! يصعب على إنسان أن يصوِّر كنهه، وهو -كما يقولون-: أمرٌ ذوقيٌّ، يتذوقه الإنسان ولا يستطيع أن يعبر عنه.
هذا الرجل أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الاتجاه؛ لأن غايته سليمة، ومطلبه كريم، ويوجهه إلى العمل الذي يحصل به على هذه المحبة من الله ومن الناس: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) .
إذاً: الزهد طريق المحبة، فإن كان لله فزهدك في الدنيا، وإن كان للناس ففي ترك ما في أيديهم.
ولو فتشنا تفتيشاً أدق قليلاً: فهل الذي بأيدي الناس كله والذي يزهد فيه الإنسان إنما هو جزء من الدنيا؟! ولكن عملياً: الزهد في عموم الدنيا هو الزهد في خصوص ما بأيدي الناس.