الفرق بين (تعتدوها، وتقربوها) في الحدود

في هذا الحديث قال: (وحد حدوداً فلا تعتدوها) ، وفي الآية: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] ) .

ولو رجعنا إلى المواضع في كتاب الله التي ذُكرت فيها الحدود، وعمل لها أحد فهرساً سيجدها قد شملت جميع أبواب الحرام في كتاب الله، فمنها: · ما يتعلق بالعبادات في الصيام.

· وما يتعلق بالدماء.

· وما يتعلق بالأحكام عند الموت في الوصية.

· ثم يأتي إلى الاعتكاف تتمةً للعبادات.

· ثم يأتي إلى موضوع الطلاق.

· وما يتعلق أيضاً بنوعية الزواج من المشركات والمشركين.

· وما يتعلق بالإيلاء.

وكل ذلك من أحكام الأسرة والأحوال الشخصية كما يقولون.

إذاً: يستطيع الإنسان أن يقول: فرق بين (تَقْرَبُوهَا) و (تَعْتَدُوهَا) ، ولو جئنا إلى ما يتعلق بالطلاق والخُلع والأخذ من الزوجة، {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ، كلها أمور مالية، ومعالِم لا يجوز أن تُتَخَطَّى.

ولكن إذا جئنا إلى {فَلا تَقْرَبُوهَا} أي: كونوا بعيدين عنها قليلاً، نجدها ليست في الماليات، وليست في الحقوق الشخصية الذاتية؛ ولكن {بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ} [البقرة:187] إذاً: هذا في حِلِّيَّة الوطء في ليل رمضان.

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] ، فلو قال هنا (فلا تعتدوها) ، فمعناه: أننا جئنا إلى نقطة الصفر مع الفجر؛ لكن {فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] أي: أمسكوا عن الأكل والشرب والنساء قبل الفجر، ولا تقربوا الفجر بهذه الأمور.

فقوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] : إذا حملنا المباشرة على الوطء فقوله: {فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] فيه تحريم اللمس والقبلة ونحو ذلك.

إذاً: قضية {فَلا تَقْرَبُوهَا} تستلزم الابتعاد، وتجعل هناك منطقة محرمة، ولذا ناسب معها {فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] ، أما بقية الحدود الأخرى أو الأحكام الأخرى فهي أمور عادية ليس فيها حظ للنفس والشهوة؛ لأن ما يتعلق بالغريزة يجب أن يبتعد عنه.

لعل في هذا القدر من شرح هذا الحديث يكفي لبيان ما جاء في هذا الحديث.

وقد شرحنا قوله: (فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها) .

وبقي معنا قوله: (ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم ... ) ، وستأتي تتمة للكلام عن باقي الحديث فيما بعد إن شاء الله.

وبالله تعالى التوفيق.

وأسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن يقيم حدود كتاب الله، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015