لو تتبعنا كتاب الله في لفظة الحد بكل تأنٍّ نجدها جاءت في سورة البقرة عدة مرات، وفي النساء، والتوبة، والمجادلة، والطلاق، فلننظر في هذه الألفاظ التي جاء فيها لفظ الحد: أول ما يصادفنا لفظ الحد في سورة البقرة، في آية الصيام وحكم الاعتكاف: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] .
وإذا تأملت المصحف من أول {الم} [البقرة:1] تجد تقسيم الناس الثلاثي: مؤمنين وكافرين ومنافقين، ثم تجد سياقاً طويلاً مع بني إسرائيل: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى.
} [البقرة:60] {أَفَتَطْمَعُونَ.
} [البقرة:75] {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} [البقرة:92] ، إلى أن يأتي قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} .
إذا وقفنا عند حدود الله تلك نجد بعض المفسرين يقول: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة:187] ، يعني: لا تقربوا النساء وأنتم عاكفون.
ويجيب البعض الآخر ك أبي حيان ويقول: لا، هذا مفرد، {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة:187] هذا شيء واحد؛ ولكن (تِلْكَ) : اسم إشارة ترجع إلى آيات الصيام بكل ما فيها من أحكام، وآيات الصيام نجد في أولها: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة:184] {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} [البقرة:184] ، ثم: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى} [البقرة:187] ، ثم: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] .
إذاً: آيات الصيام فيها حدود من المحرمات، وفي النهاية قال: {فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] .
ولكن قبل آية الصيام تجد آية الوصية عند الموت: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة:180] ، وتجد قبل الوصية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] ، وقبلها: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة:177] ، وقبلها: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة:176] .
وقبلها: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ} [البقرة:173] .
ثم ذكر المحيض، ثم الإيلاء والحلف على الزوجة، ثم الطلاق: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة:227] .
وسياق عشرة الزوجة طويل، من آية نكاح المشركات والمشركين، وكل ذلك موضوعه يتعلق بعشرة الزوجة ابتداءً وعشرةً وفراقاً.
إذاً قوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة:229] يعني: محارمه التي حرَّمها وحدَّها وميَّزها وجعلها بين الحلال والحرام، {فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة:229] .