أن تلك التقدمات من الأذان والوضوء وتجاوبك مع المؤذن في كلمات الأذان تهيئة للدخول في الصلاة؛ ثم يأتيك الشيطان، ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا لشيء قد نسيته، وأظنكم تعلمون قصة الإمام أبي حنيفة رحمه الله، فقد كان جالساً في المسجد فإذا برجل يقول: يا إمام! لقد دفنت مالاً لي ونسيته، فكيف أحصل عليه؟ قال: إذا انتصف الليل فقم وتوضأ وأسبغ الوضوء وصلِّ ركعتين لله ولا تحدِّثَنْ نفسك فيها بشيء، فإذا فرغت من الصلاة فستعرف أين المال؟ فمن الغد جاء وقال: جزاك الله خيراً! لقد وجدت المال.
فقال أصحاب أبي حنيفة: ما علاقة صلاته في الليل بالمال الذي كان قد دفنه؟! {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف:63] فالشيطان هو الذي أنساه، فإذا جاء ليصلي تلك الصلاة بخشوع وخضوع وعدم محادثة نفسه فيها بشيء خالصةً لوجه الله، فهذه تحرق الشيطان، ولا يستطيع أن يصبر عليها، فيشغله فيها بأن يذكره موضع المال.
وقالوا للرجل: كيف عرفت مكان المال؟ قال: فعلتُ كما قال لي الإمام، وحرصت ألَّا أحدث نفسي فيها بشيء، فإذا بي حينما جلست للتشهد أسمع من يقول لي: المال كان في المحل الفلاني، فعجَّلت بالتشهد، وذهبت إلى المال فوجدته.
ونقول: ستجيئكم صلاة العشاء، وحينما تسمعون المقيم يقول: قد قامت الصلاة، فانظر في ساعتك، وحينما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، انظر في الساعة، فالأربع ركعات كم أخذت؟ ست أو خمس دقائق، ولا يمكن أن تصل إلى عشر أبداً، اجعلها تصل إلى ثمان دقائق بحيث تأخذ كل ركعة دقيقتان ثمان دقائق ولا يقدر الإنسان أن يضبط نفسه فيها!! لكن الشيطان عدو مبين، ومهما يكن من شيء فلا ينبغي للإنسان أن يسترسل معه، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] ، فيرجع حالاً، فربما يأخذك الشيطان ويذهب بك إلى مكة، ويضحك عليك، ويقول لك: ستذهب إلى عمرة وتطوف وتسعى، ثم لا تشعر بنفسك إلا وأنت على الصفا، لكن إذا انتبهت وأنت في رابغ فارجع، ولا تذهب معه إلى مكة.
وقد يأتي للتاجر: البضاعة وصلت إلى المحل الفلاني، والباخرة في المحل الفلاني، وفيها كذا، وفيها الآن كذا وكذا.
فيحاول أن يذهب بك حتى تشتغل به وتتجاوب معه.
وطالب العلم قد تأتيه المسألة التي كانت شاغلة لباله: تجدها في محل كذا، اطلبها في كتاب كذا كل إنسان يأتيه من الباب الذي يستجيب إليه.
وليس هناك إنسان يستطيع أن يمتنع نهائياً من الوسوسة، وليس معصوماً من ذلك؛ لأن الشيطان يجند كل قواه عند الصلاة، وكما يقول بعض العلماء: هل السارق يدخل بيتاً خرباً؟ لا، لكن يختبئ فيه فقط؛ لكن ليسرق منه فلا.
لكن أين يذهب السارق ليسرق؟ إلى البنوك أو الخزائن الكبيرة أو البيوت العامرة، والمؤمن حينما يكون بين يدي الله فإن الخزينة ملأى، فهو يريده في تلك اللحظة.
إذاً: (فرض فروضاً فلا تضيعوها) ، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً للحفاظ على فروضه سبحانه وتعالى.