بقي حكم الجهاد في سبيل الله، قلنا: إن أنواع الجهاد كثيرة، منها جهاد في طلب العلم، جهاد في العبادة، جهاد للعدو، وكلٌ بحسبه، وقد ثبت في الحديث: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله) .
وجاء إليه آخر فقال: (أي العمل أفضل يا رسول الله؟ قال: إيمان بالله، قال ثم ماذا؟ قال: بر الوالدين) .
وجاء آخر فقال: (أي العمل أفضل يا رسول الله؟ قال: إيمان بالله، قال ثم ماذا: الصلاة على وقتها) .
سبحان الله سؤال واحد والإجابة مختلفة جهاد، بر والدين، صلاة؛ لأن كل شخص له ما يلائمه، أو أن كل زمن له جهاده، فإذا كانت المعركة مقبلة، فالأفضل أن تحمل السلاح، وإذا كان سلماً ورأيت شخصاً عاقاً أو مقصراً في حق والديه فالأفضل أن تأمره ببر والديه، وإن جدت شخصاً مقصراً عن أداء الصلوات في أوقاتها أمرته بالمحافظة على الصلاة في أول وقتها.
إذاً: المفتي طبيب يصف الدواء على حسب الحاجة، فمن كان أهلاً لحمل السلاح وجهناه للسلاح، ومن كان ذا أبوين يحتاجانه وهو مقصر في حقهما وجهناه إلى والديه، وهكذا في أمر الصلاة، بل ونقول في جميع الأمور، كل بحسب صلاحيته.
وأشرنا سابقاً إلى الشاب الذي خرج على المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه مع أصحابه، وكله نشاط وحيوية، فقال أحد الجلساء: لو كان هذا في سبيل الله -أي: لو كان هذا النشاط وهذه الطاقة توجه إلى سبيل الله- فقال صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخراً فهو في سبيل الشيطان) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يجعل الساعي ليعف نفسه أو ليكفها عن الحرام ويعول أسرته -أبويه أو زوجه أو أولاده- في سبيل الله.
إذاً: الجهاد ميادينه واسعة وكل بحسبه.
نأتي إلى الجهاد في الميدان وهو الذي يكثر فيه الكلام وينصرف إليه المعنى عند الإطلاق.