ثم قال: (وعموده) ، كأن الأول رأس الأمر، وهنا يقول: (وعموده) ، أي عمود الإسلام، وهو الصلاة، وإذا انتقلنا إلى كلمة عمود، ففيها كما يقول البلاغيون: استعارة مكنية؛ وهي تشبيه شيء بشيء مع حذف المشبه به ويأتي بلازم من لوازمه، كقول الشاعر: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألقيت كل تميمة لا تنفع هل المنية -انقضاء الأجل- لها أظفار؟ أو أن هناك تشبيهاً حُذِف أحد طرفيه، فقد شبه المنية بالأسد، وحذف المشبه به -الأسد- وأتى بلازم من لوازمه -الأظفار-.
وهنا كأنه يقول: الإسلام كالبيت والبيت له عمُد وطنُب، وأهم ما في البيت ليقوم بناؤه، عموده وهو الصلاة، إذاً: كأنه يقول: الإسلام كالبيت، والعمود الذي يرفع هذا البناء إنما هي الصلاة، وقد جاء صحيحاً (بني الإسلام على خمس) .
إذاً: كأن الإسلام بناء، وذلك لأن كل إنسان في هذه الدنيا يحتاج إلى بيت، حتى الحيوانات تحفر لها جُحراً يقيها الحر والبرد والأعداء وكل شيء، فكذلك الإسلام.
بل قد جعل الشرك بيتاً ولكن كبيت العنكبوت، وأي قوام لبيت العنكبوت، والمسلم يعيش في بيت يقوم على عمد وركائز وطنُب، إذاً: هنا تشبيه واستعارة مكنية، فالإسلام كالبيت، والبيت له عمُد، وعمود هذا البيت الذي يقوم عليه إنما هو الصلاة.
إذاً رجعنا للصلاة مرة ثالثة، نجد أنه بدون الصلاة فلا بيت، وإذا كان المرء بلا بيت فإنه يكون في العراء، والصلاة عماد الدين، أي: العمود الذي يقام عليه البيت، ولولا هذا العمود في هذا البناء لما وجدنا أين يوضع السقف، لأنه لا يقيم بيتاً بلا عمُد إلا المولى، {رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] ، والقدرة الإلهية شيء آخر، جعلت السماء بيتاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:21-22] ، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ، الأيد: القوة، تلك قدرة المولى سبحانه.