وهنا مسألة سئل عنها ابن عباس: إذا كان في رمضان فأيهما أفضل: تقليل الركعات وإطالة القراءة، أم العكس؟ كل واحدة فيها مزايا؛ فكثرة الركعات فيها تكبير وركوع وسجود، وكل ركعة لها أجر، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، وطول القراءة فيها إمعان وتدبر لكلام المولى سبحانه، وقد أجاب ابن عباس فقال: أنت مرتاد لنفسك، فاختر لنفسك.
والمرتاد: الراعي حينما يكون له غنم يرتاد لها مواطن الرعي، فحيثما يجد الخصب والمرعى الصالح يرتع، فكذلك المسلم هو يرعى ويسوم نفسه في مرعى وحدائق ورياض العبادة، فالعمل الذي يحبه ولا يراه شاقاً عليه فليفعله فأحياناً يرغب في القراءة، ويكون ذهنه حاضراً فيها، والله سبحانه وتعالى يشرح صدره، ولعله لو قرأ آية وأمعن فيها أن يفتح الله عليه بسببها ما لا يعلمه إلا الله، وأحياناً يكون ذهنه مشغولاً، أو فكره مشوشاً، وربما أن الحركة تكون أنسب له، في إذهاب ما يشغله، فأي الحالتين قدر عليها وسهلت عليه فهي الأولى بالفعل.
وهنا الله سبحانه وتعالى يجمع لرسوله {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:2-4] ، يهمنا في قيام الليل ترتيل القرآن قليلاً كان أو كثيراً.
وقد جاء عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقرأ القرآن في ليلة، وقد ذكرنا بعض حالات من السلف، كان الواحد يقرأ القرآن في ليلة، فبدأ يتأمل حتى آل أمره إلى أن يقوم الليل كله بسورة الفاتحة، يتدبرها ويتأملها ويراجعها.
وقال الله عن جوف الليل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] ، ناشئة الليل المقصود بها، صلاة الليل، كما عليه الجمهور، ويكفي ما أشارت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ولما سئل عن ذلك قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) .