ثم ذكر صلى الله عليه وسلم من أبواب الخير نافلة أخرى، فقال: (وصلاة الرجل في جوف الليل) ، وسُئِل صلى الله عليه وسلم: (أي الليل خير؟ قال: جوفه) ، وفي الرواية الأخرى: (ثلثه الأوسط) ، فصلاة الرجل في جوف الليل أول ما يتبادر أنها قيام الليل.
والأحاديث الواردة في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، ويهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث وأضاف إليه الآية القرآنية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يستدل بكتاب الله على سنة رسوله، والسنة والكتاب متلازمان، وعند الشافعي قاعدة عجيبة يقول: كل حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام له شاهد من كتاب الله، لكن لا يدرك ذلك كل إنسان، فهنا قرأ صلى الله عليه وسلم الآية مستدلاً بها على صلاة الرجل في جوف الليل.
وقد يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم الآية في موقف لا يشابه ما نزلت بسببه، ويستدل بعموم اللفظ بصرف النظر عن خصوص السبب، ولذا قال الأصوليون: العبرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومن ذلك حينما جاء صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة يوقظهما لصلاة الليل، فقال علي رضي الله تعالى عنه: (إنما أنفسنا بيد الله متى ما شاء أن يبعثها بعثها، فيخرج من عنده صلى الله عليه وسلم وهو ينفض ثوبه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54] ) ، وهي إنما نزلت في سبب آخر، لكن أخذها صلى الله عليه وسلم بعموم لفظها واستشهد بها على قضية علي، إذاً: الآية تشمل كل جدال وقع من إنسان في أي موقع.