قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكتبه) .
الكتب: جمع كتاب، وأصله الكتب والكتابة يقولون: الخياطة، والكِتبة الغربة في القربة أو نحوها، وقالوا: الكتابة مأخوذة من الخياطة؛ لأن الكتابة رصف حرف بجانب حرفٍ كما ترصف الغرزة بالإبرة بجوار الأخرى، ومنه: الكتيبة، أي: جمع الأفراد تحت لواء واحد.
ويقول العلماء: لقد أنزل الله سبحانه وتعالى مائة كتاب، ومائة وعشرين صحيفة، ستين لشيث، وثلاثين لإدريس، وثلاثين لإبراهيم، ويختلفون في عشر، وهل نوح نزل عليه صحف آدم نزلت عليه؟ نحن نؤمن بما أنزل الله سبحانه، فكل كتاب أنزله الله على رسله فنحن نؤمن به، ونؤمن بأن القرآن الكريم هو خاتم الكتب، وقد وعى كل ما سبقه من الكتب، وصار مهيمناً عليها.
وكما يتفق العلماء بأن جميع الكتب السماوية المعروفة: التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى، وما سبق ذلك من الصحف، كلها تضمنها القرآن الكريم، ونحن نؤمن بوجودها، ولا نعمل إلا بخاتمها وهو القرآن الكريم، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر حينما جاء بصحيفة من التوراة يقرؤها مستحسناً ما فيها؛ فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: (يا ابن الخطاب ألم آتكم بها بيضاء نقية؟ والله لو جاء موسى ما وسعه إلا اتباعي) .
وبعض العلماء يزيد خطوة ويقول: كل الكتب المتقدمة حواها القرآن، وكل القرآن حوته الفاتحة، ولذا سميت أم الكتاب وأم القرآن، وقالوا في معنى ذلك: لأن جميع أبواب الفقه أو التشريع أو العلوم التي جاءت في القرآن أصولها موجودة في الفاتحة؛ لأن القرآن بكل مدلولاته إما بيان حق لله، وإما بيان للماضي، وإما بيان للمستقبل، وإما بيان لحق الخلق فيما بينهم ولم يبق شيءٌ بعد ذلك.
فمن بيان حق الله: الحمد والثناء على الله، والاعتراف بأنه رب العالمين، وبصفاته: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] وبالمستقبل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ، وبحقه عليهم أيضاً {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ، وبحق الخلق أيضاً: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وتاريخ الماضي {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ، (صراط الذين أنعمتَ) في الماضي، (عليهم) من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
جاء في التوراة أن الله كتب الألواح لموسى، وجاء في غير ذلك: أن الله أنزلها، ويذكر ابن كثير في قوله تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] ، أن القرآن نزل ليلة أربعة عشر، ونزلت التوراة يوم ستة أو اثني عشر، وبين أن الكتب السماوية كلها أنزلها الله في رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] .
وعلى هذا: فإن الإيمان بوجود الكتب المتقدمة، وإنزالها من عند الله هداية للبشر، وبياناً للصراط المستقيم، وبياناً لحق الله على الخلق، وفيما يصير عليه الخلائق فيما بينهم.
كل هذا من الواجبات.