روي في بعض الكتب عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه سئل عن السند، وعن الرواية، عن النص، وعن والاجتهاد والتقليد، فقال رحمه الله: إن جاءنا عن الله فنعم، وإن جاءنا عن رسول الله فنعم، وإن جاءنا عن صحابي من أصحاب رسول الله فنعم، لكن إن جاء عن تابعي فهم رجال ونحن رجال، فنقول: كلام حق وصحيح بالنسبة له، فهو توفي سنة مئة وخمسين هجرية، ويوم وفاته هو مولد الشافعي، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ، فـ أبو حنيفة كان في وسط القرون الخيرة، فإذا كان الأمر كذلك فله حق أن يقول: الكتاب والسنة والصحابة على العين والرأس، وأما التابعون فهم رجال ونحن رجال، فهو من طبقة أتباع التابعين، وبعض الأحناف يدعي أنه تابعي، وأنه رأى بعض الصحابة، والآخرون يخالفونهم في ذلك، فليكن ما يكون، فإذا قال: هم رجال ونحن رجال، فهو من عصر أولئك الرجال، لكن نحن الآن لا نقول: نحن رجال وهم رجال، قال الشاعر: وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس كيف تقول الآن: نحن رجال وهم رجال؟! والله! ما أدري أي رجل هذا؟ أنا أعجب لمن يقول هذا في هذا الوقت الحاضر! أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد كانوا يبيتون ليلهم في عبادة يعلمها الله، قيل عن الشافعي: إنه صلى الفجر بوضوء العشاء عند مالك فكيف نقول: هم رجال ونحن رجال؟ والله! هم رجال ونحن عيال! ولو قبلوا أن نكون عيالاً معهم لكانت نعمة كبرى.
وهذا الموضوع يثير شعور الإنسان؛ لأني أسمع عن أشخاص كثيرين أنهم يتجرءون في هذا الباب، وأنصح كل طالب علم أن يحتاط، وأن يوقر السلف، وأن يعرف قدر نفسه، وما عنده من علم، وأن يستنير بنور السابقين، والله تعالى أعلم.