وقوله صلى الله عليه وسلم: (تميط الأذى عن الطريق صدقة) ، نحن نقول لأمناء البلديات والذين ينادون بالحضارة والمدنية وبالنظافة، والذين يتغنون بسويسرا أنه لا تجد في الطريق ورقة، ولا تجد قشرة فاكهة، فنقول: تعالوا إلى سنة رسول الله، فهو من قبل أربعة عشر قرناً يحث على إماطة الأذى عن الطريق، وكيف تميط الأذى عن الطريق؟ ترفعه، فمثلاً: إذا وجدت قشرة موز في الأرض أخذتها، كي لا ينزلق بها البعير أو الإنسان الغافل، فهي مثل الصابون، فإذا كان رفعك لها عن الطريق صدقة، فكيف بك في عدم إلقائك إياها في الطريق؟!! إذاً: نتمدح بالحضارة الغربية، وعندنا هذا الأصل من السنة النبوية، ونقول لأولئك الذين يلقون بفضلات بيوتهم في قارعة الطريق، ونقول لأولئك الذين يبنون العمارات ويرمون النفايات في قارعة الطريق، نقول لأولئك الذين يحفرون الحفر من بيارات وغيرها ولا يضعون حواجز ولا علامات عليها، نقول لكل من يلقي قذارة في طريق المسلمين: إنك خالفت سنة رسول الله، فخذ السنة.
ينبغي أن تكون البلدية أحرص ما تكون على تطبيق هذه السنة، والمناداة بتطبيقها لا بنظام كذا، ولا بقانون كذا، ولا بعرف كذا، بل نقول: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلمة (الأذى) لا حد لها، جاء في الحديث: (ترفع العظم عن الطريق) ، وفي بعض الآثار أن الأذى حينما ترفعه يشكرك ويقول: حفظت الناس من أذاي، أو ترفع حجراً عن طريق المسلمين يشكر لك أنك جنبت الناس شره، وإذا جئت إلى كلام الفقهاء تجدهم يقولون: من ألقى أذى في الطريق وتسبب بذلك في جناية على إنسان أو حيوان فهو مسئول ويضمن، ويمثل الحنابلة، لذلك فيقولون: لو أنك سكبت الماء مع الصابون في الطريق فجاء بعير وانزلق فكسرت رجله فأنت ضامن، فالطريق ليس حقك وملكك لوحدك، بل الطريق لجميع المسلمين؛ ولذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على قارعة الطريق، وليس للنجاسة كما يظن البعض، ولكن لأنك تغتصب حق المسلمين، وتمنع من يريد أن يمشي، فالطريق جعلت للمشي لا للصلاة، فلا تحتكر شيئاً لعامة الناس لمصلحتك أنت، فلا يجوز لك أن تصلي على قارعة الطريق، واتفق العلماء على أن من حفر حفرة بيارة أو غيرها، ولم يجعل عندها نوراً أو شبكاً يمنع الإنسان من السقوط في ظلام الليل، ويمنع الأطفال من السقوط فيها، فسقط أحد الناس فتلف فصاحبها ضامن.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان بضعاً وسبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى، ويستحب بعض العلماء حينما تميط الأذى عن الطريق أن تتلفظ بقولك: لا إله إلا الله؛ لتجمع بين طرفي شعب الإيمان، فأمطت الأذى وهو أدناه، وذكرت أعلاها: لا إله إلا الله، فتكون بذلك قد جمعت بين طرفي شعب الإيمان.
هذا الحديث جزئياته لا تنتهي، وطرق الخير كثير، وحينما قال الرجل: إذا لم أستطع ذلك، قال: (تكف شرك عن الناس فإنها صدقة) ، صدقة عليك وصدقة عليهم، تريحهم من الأذى، وتريح ملائكتك من التسجيل عليك، فكف شرك عن الناس صدقة.
وبالله التوفيق.