جاء في أمر جبريل عليه السلام، لما طلب منه رسول الله أن يريه ذاته على طبيعته، أنه ظهر له وقد سد الأفق كله، وفي الصحيح: (ما من موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد أو راكع يذكر الله) .
ويتفق علماء السنة أيضاً بأن الله جعلهم طوائف، ولذا: التاء في: (ملائكته) ليست للتأنيث ولكنها للطوائف المتعددة، فهناك ملك الوحي جبريل عليه السلام، وهناك ميكائيل الموكل بالأرزاق وما ينزل من السماء إلى الأرض، وهناك عزرائيل الموكل بقبض الأرواح ومعه أعوانه وجنوده، وهناك ملك الجبال ومن يساعده، وهناك ملائكة في البحار، وملائكة موكلة بالأرحام كما جاء في الحديث: (إن الله موكلٌ بالرحم ملكاً) ، فإذا جاءت النطفة أخذها وسأل ربه: مخلقةٌ أو غير مخلقة، ما أجله وما رزقه؟ وشقي أم سعيد؟ وهكذا ملائكة يتعاقبون فينا بالليل وملائكة بالنهار: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] .
وكما يقول العلماء: مع كل إنسان أربعة من الملائكة، أحدهم عن أمامه، والآخر عن يساره حفظة له، وهناك ملائكة يكتبون عليه أعماله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وكذلك ملائكة موكلون بالسؤال في القبر وهما منكرٌ ونكير، وإن كان ابن رجب أو غيره ينفي هذه التسمية ويقول: (عبادٌ مكرمون) ، (كرام كاتبون) فهم كرامٌ وليسوا مناكير.
قالوا: منكر ونكير، أي: ليسوا على خِلقة الملائكة ولا على خلقة البشر، بل لهم شكل خاص، وبعضهم يقول: ملائكة المؤمن مبشر وبشير، وملائكة غير المؤمن منكر ونكير.
إذاً: الملائكة طوائف لا يحصيها إلا الله.
فهناك من وكل بأعمال العباد، وهناك من خلق لعبادة الله وحده، كما جاء في الحديث (البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة) ، وهناك من الملائكة من قد يرسل من الله بشيء خاص، كما جاء في صحيح مسلم: (بأن جبريل عليه السلام كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ سمع صوتاً فرفع رأسه إلى السماء، وقال: هذا باب في السماء فتح اليوم لم يفتح قبل اليوم قط، ثم قال: هذا ملك نزل من السماء إلى الأرض لم ينزل إلى الأرض قبلها قط، ثم جاء وقال: السلام عليكم يا محمد! أهديك نورين، وذكر له الفاتحة وخواتيم سورة البقرة) ، وجاء في الأحاديث الأخرى تأتي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي الفاتحة وسورة البقرة ليلة الإسراء والمعراج من كنز تحت العرش.
وفي غزوة بدر لما كان صلى الله عليه وسلم يرتب المسلمين ويصفهم عندما نزلوا أول منزل، فجاء الحباب بن المنذر وقال: يا رسول الله! أمنزلٌ أنزلكه الله فلا قول لأحد، أم هي الحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والمكيدة، قال: فإن الرأي عندي أن نتقدم إلى آخر بئر ونبني لنا حوضاً نملؤه ماء، ونغور بقية الآبار.
وإذ هو في هذه الحالة فإذا بملكٌ نزل وجبريل مع رسول الله في أرض المعركة، فقال: يا محمد! إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: الرأي ما قال الحباب، فنظر رسول الله إلى جبريل وقال: أتعرف هذا يا جبريل؟ فقال جبريل: ما كل ملائكة السماء يعرفها جبريل، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] .
فقال جبريل: ما كل ملائكة السماء يعرفها جبريل، ولكن ظاهر عليه أنه ملك وليس شيطاناً، فالجنس يعرف جنسه، وانتقل صلى الله عليه وسلم إلى حيث أشار الحباب، ويهمنا أن ملكاً نزل بهذا.
وفي عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف لما اشتد أمر المشركين على رسول الله، قال جبريل: يا محمد! هذا ملك الجبال، إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل هذا، وهكذا السحاب له ملك يسوقه، وهكذا العالم كله بتدبير الله على ما يلقي من الأوامر على الملائكة.