(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) وهذا الإحصاء يشمل الصغير والكبير: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ، إلا أن فضل الله سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث: أن العبد إذا اكتسب حسنة بادر ملك الحسنات فسجلها حالاً، وإذا ارتكب سيئة يريد ملك السيئات أن يبادر بكتابتها فيمنعه ملك الحسنات؛ فلعله يستغفر، أو يتوب، ولعله يرجع، فإذا مضت المدة الكافية ولم يستغفر ولم يتب ولم يرجع إلى الله وما بقي إلا أن تُكتب؛ فإن صاحب الحسنات يكتب الحسنة عشرة، وصاحب السيئات يكتبها واحدة.
فإذا ما استغفر وتاب بعد ذلك، فإن الله يبدل سيئاتهم حسنات، فانظروا إلى فضل الله: الحسنة تضاعف إلى عشرة أضعاف بل إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء، والسيئة واحدة.
وإن استغفر استبدلت، ومن همّ بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة، كما جاء في الحديث: (الناس أمام أمور الدنيا أربعة أقسام: رجل أعطاه الله مالاً وعلماً يعرف حق الله فيه فهو في أعلى عليين) فاجتمع له الدين والدنيا، (ورجل أعطاه الله علماً ولم يعطه مالاً، فقال: لو كان لي من المال لعملت فيه مثل ما يعمل فلان -أي: في طريق الخير- فهو معه في الأجر سواء، ورجل لم يعطه الله علماً وأعطاه مالاًَ فلا يعرف حق الله فيه فهو في أسفل الدركات، ورجل لم يعطه الله مالاً ولا علماً قال: لو أن عندي مالاً لعملت فيه مثل ما يفعل فلان، فهو معه) ، فاثنان جوزيا بالفعل واثنان بالنية، فصاحب نية الخير لحق صاحب الخير بنيته، وصاحب نية الشر لحق صاحب نية الشر بقصده وإرادته ورغبته.