إن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وليس جائز الوجود.
ومعنى (واجب) : أن وجود الله سبحانه لم يسبق بعدم، بخلاف جائز الوجود، مثلاً: أنت الآن لم تتزوج، ثم تزوجت ولكن لم تنجب ولداً، فولدك الذي في الغيب جائز الوجود وليس بواجب، بمعنى: أنه يجوز أن يولد لك ولد ويجوز أن لا يوجد لك ولد، فالأمر مستوي الطرفين: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49-50] ، فالولد الذي لم يولد بعد جائز الوجود وجائز العدم، فإذا ما وجد بعد العدم، فننظر: من الذي رجح أحد الطرفين المتساويين؟ أي: إذا كان الوجود والعدم متساويين بالنسبة لمن لم يولد، فمن رجح جانب الوجود على العدم، وجاء به إلى الحياة؟ إذاً: كل موجودٍ لابد له من موجد إلا المولى؛ لأن وجود المولى واجبٌ، لو قلنا: إن الله سبحانه وجد بعد أن لم يكن؛ فمن الذي أوجده سبحانه وتعالى؟! وإذا قيل إن هناك من أوجده فإن الذي أوجده أحق منه بالألوهية، فهو الإله؛ فلم يسبق وجود الله عدم؛ فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والقديم الذي لم يسبقه عدم.
{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3] .
فالإيمان بالله بمقتضى نصوص الكتب السماوية وبمقتضى النظرة العقلية أمرٌ ضروري، ولذا كان كل من ينفي وجود الله فهو مكابر، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14] ، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] ، فكل البشر مقرون بوجود الله، ومن ينفي ذلك فهو مكابر.
وكما قال: المانوية الذين يقولون بإلهين اثنين: إله الخير وإله الشر، النور والظلمة، يقولون: النور أقوى من الظلمة؛ لأن النور إذا جاء انعدم الظلام، فهو أقوى منه، فرجعوا في النهاية إلى إله واحد، لكن لم يهتدوا إلى حقيقة من هو.
والكلام في هذا الموقف طويلٌ عريض، يدعو إلى الكلام عن صفات الله، والكلام في أسماء الله وفي أفعال الله، وكل ذلك مكانه كتب العقائد، وهي مسطرة وموضحة بحمد لله، ولكن الذي يهمنا في هذا الحديث في بيان الإيمان أولاً وقبل كل شيء: أن تؤمن بالله.
وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالله؛ لأن منطلق كل إيمان ومنطلق كل عمل يرجع إلى هذا المبدأ؛ لأنك إذا آمنت بالله آمنت بأنه موجود، وأنه فعال لما يريد، وأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب، وشرع وأمر ونهى، وأعد جنة وناراً إلى آخره.
فالمؤمن بالله أول خطواته إيمانٌ بكل لوازم الإيمان بالله، وهو كل ما جاء عن الله وأخبر به رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولعلكم تجدون بعض الشراح لهذا الكتاب أو لهذا الحديث يذكرون وجود تكرار، وهل هناك إعادة بذكر الخبر بلفظ المبتدأ؟ (أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن) ، أنا أسألك عن الإيمان، وأنت قلت: الإيمان أن تؤمن، كأنه يقول: فيه الدور والتسلسل؛ وليس بصحيح.
جبريل عليه السلام سأل عن الإيمان الذي يجب على الإنسان أن يصدقه ويعتقده العبد، فأجابه صلى الله عليه وسلم بمجموع المسميات في هذا الجواب، فكأنه يقول: هذه الخصال هي الإيمان الذي تسأل عنه.