إذا كان الإيمان لغة: التصديق، وشرعاً: ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يخرج عن المعنى اللغوي ولكن أضاف إليه جزئية: (أن تؤمن بالله) ، ومعنى تؤمن هنا: تصدق وتعتقد وتلتزم.
ومعنى الإيمان بالله: التصديق بالله، وعلى أي شيء تصدق؟ هل على مجرد وجود الله؟ فإن الكفار والمشركين كانوا يؤمنون بذلك، والله سبحانه قد أقام الأدلة العقلية على وجوده، وجاءت النصوص النقلية بوجود الله سبحانه وتعالى.
كما جاء عدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، فقال: من الذي لرغبتك ورهبتك وحاجتك؟ قال: الذي في السماء) .
فمع وجود آلهة ستة في الأرض فهو يؤمن بالله، ولكن على المشاركة، وإيمانه بالله خاصٌ عند الشدة، كما قال الله عن المشركين إذا جاءتهم شدة: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] ، والإيمان بإله معبود أمرٌ من ضروريات البشر، ولذا لا تجد فرداً من بني آدم إلا ويؤمن بمألوهٍ عنده، سواء كان ذلك المألوه حقاً أو باطلاً، لماذا؟ لو نظرت إلى وجود الإنسان من حيث هو كما بين الله: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28] ، فهو ضعيف أمام قوى الطبيعة أو الكائنات أو الموجودات كما هو مشاهد، فهو يرى الجبال الشامخة، والسماء المرفوعة المسموكة، ويرى الأرض المبسوطة والمحيطات المتلاطمة كلها كائنات لم يخلقها ولم يعلم كنهها فيتساءل: ما الموجد لهذه القوى العظيمة؟ لابد في النهاية أن يرجع فكره إلى موجد لها: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور:35-36] فهم لم يخلقوا من غير شيء، ولم يخلقوا أنفسهم.
إذاً: لم يبق إلا أن لهم خالقاً هو الله.
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [الطور:36] ، لم يخلقوها ولم يدّعوا ذلك، إذاً: خالقها هو الله، فإذا كان العبد على توفيق من الله؛ كان مألوهه هو الله رب العالمين، وإذا حرم السعادة -عياذاً بالله- اتخذ له إلهاً على ما يزعم بأن يكون هذا المألوه عنده يحفظه من تلك القوى التي لا يقدر عليها، بأن يجلب له الخير أو يدفع عنه الضر، ولذا فالمولى سبحانه لما عاب على المشركين عبادتهم لأصنامهم، عاب عليهم بأنهم يعبدون ما لا ينفعهم ولا يضرهم، ولا يسمعونهم إذ يدعون.
ومن ناحية أخرى: حينما ينام الإنسان ويرى في منامه الأشياء الكثيرة، ويرى عوالم أخرى لا يدرك كنهها، فإنه يتطلع إلى وجود عوالم أخرى فيتساءل: أين تلك العوالم ومن أوجدها؟ ثم يذهب في نهاية الأمر إلى وجود موجد لها، والله سبحانه خلق في العبد عقلاً، وأمره أن ينظر في ملكوت السماوات، وأن يسير في الأرض وينظر في آيات الله الكونية ويتدبر فيها، ثم أرسل إليه رسلاً وأنزل إليه كتباً، وأعلمته الرسل بصدق دعواها الرسالة بما أثبت لها الله من آيات ومعجزات.
والمسلم قد التزم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ، وجاءه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتاب الذي فيه آيات القرآن الكريم فيما يتعلق بحقوق الله سبحانه، فالإنسان من حيث هو لابد أن يجعل له مألوهاً يجلب له الخير لعجزه، ويدفع عنه الضر لضعفه، فإن وفقه الله واتبع رسله، كان مألوهه هو الله سبحانه وتعالى.
إذاً: الإيمان بإلهٍ ضروري، ولذا تجد من الوثنين والصابئة من عبدة النجوم والكواكب والأحجار من يعتقد أن في ذلك جلب نفع إليه أو دفع ضرٍ عنه، حتى قال المانوية: إله الخير وإله الشر، وكل ذلك ضلال عقلي، والعقل السليم والفطرة السليمة تهتدي بفطرتها إلى الله، قال الحكيم الجاهلي: في الذَّاهبين الأَوَّلينَ من القُرون لنا بصائرْ لمَّا رأيْتُ موارداً للموت ليس لها مَصادِرْ أيقنْتُ أنِّي لا مَحالةَ حيثُ صار القومُ صائرْ وهذا الذي وقف في سوق عكاظ، وقال: سماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا تدل على العليم الخبير؟ فنظر في هذه العوالم الكونية حوله فعلم بأن لها موجداً، وأسلم لصاحب هذه الآيات الكونية، وكما أشرنا في قول القائل سابقاً: وأسلمتُ وجهي لمن أسملتْ له المُزْن تحمِل عَذْبّاً زُلاَلا إذا هي سيقت إلى بلدةٍ أطاعت فصبت عليها سِجالا وأسلمتُ وجهِي لمن أسلمتْ له الأرض تَحمِل صَخْراً ثِقَالا وهذه الفطرة حينما ينظر بها العقل السليم، يعلم بأن هذا الكون الفسيح لابد له من صانع.