وقوله عليه الصلاة والسلام: (والقرآن حجة لك أو عليك) حجة لك في حياتك ومعاملاتك: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] ، وفي حقوق الزوجة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187] ، ماذا فعلت في لباسك؟ هل صنته وأكرمته أم لا؟ هل وفيتم حقوقهن أم لا؟ وهكذا ما يكون بين الراعي والرعية، قال الله سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ، فهذا حق الراعي على الرعية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، ولم يقل: (وأطيعوا أولي) ؛ لأن طاعة ولي الأمر من طاعة الله ورسوله؛ ولذا كان الخلفاء الراشدون وغيرهم من ولاة الأمر يكتبون إلى الرعية في الأقطار: إني قد وليت عليكم فلاناً -لكل قطر- فمن تحمل ظلامة فإني بريء منها، وإني قد وليتهم ليقيموا كتاب الله، وسنة رسول الله، فمن أخطأ ذلك فلا طاعة له عليكم.
وها هو الصديق رضي الله عنه يعلنها ويقول: (وليت عليكم ولست بخيركم، فإن وجدتموني على حق فأعينوني، وإن كان غير ذلك فلا طاعة لي عليكم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم) ، هذا هو المنهج الإسلامي، وها هو القرآن حجة لك أو عليك: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، وما الحكم إذا حصل نزاع بين ولاة الأمر وبين الرعية؟ {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] .
وهكذا في كل مرافق الحياة، في عموم الأمة وخصوص الفرد.
وحق الله عليه أن تعبده فقد أوجب عليك صلاة، وصياماً، وزكاةً، وحجاً، بكل وضوح وبيان، فلا تحتاج أن تسأل عالماً، ولا أن تقرأ كتاباً، وكما قال ابن عباس: التفسير على أربعة أقسام: قسم لا يعذر أحد بجهله، وهو ما كلف الله الأمة به، فهل تحتاج إلى كتاب تفسير في قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] ؟ أو قوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] ؟ هل تحتاج إلى تفسير: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] ؟ هل تحتاج إلى تفسير: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] ، وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الأنعام:151] ؟ هل هذه النواهي تحتاج منك إلى عالم، أو إلى كتاب تقرأه؟ لا، والله! بل هي من ضروريات التشريع، وهي واضحة بينة، وحجة قائمة لك أو عليك، والحديث عن القرآن متنوع، فالقرآن يتحدث عن نفسه، قال والدنا الشيخ الأمين عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] : لو أراد إنسان أن يؤتيها حقها لتناول القرآن كله، وما خطة سمعت بها أو قرأت عنها إلا والقرآن أقوم منها.
ولما جاء عمر رضي الله تعالى عنه بصحيفة من التوراة يستحسنها، وعرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، غضب وقال: (يا ابن الخطاب! والله! لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا اتباعي) .
وقال الله في إثبات حقه ووحدانيته: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4] ، (أحد) (لم يلد) نفي وإثبات.
وفي توحيد العبادة: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1-3] وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ، وفي توحيد الأسماء والصفات: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] كل ما تحتاجه فيما يتعلق بحق الله والأمور الغيبية تجدها واضحة في كتاب الله، وكل ما تحتاجه بينك وبين أخيك، وبينك وبين ولدك، وبينك وبين والديك، وبينك وبين زوجك، وبينك وبين الناس عموماً، وبينك وبين ولاة أمرك تجده واضحاً في القرآن.
إذاً: أين يذهب الناس عن كتاب الله؟! لا مصير للأمة ولا سلامة لها ولا أمن ولا طمأنينة لها إلا بالعودة إلى كتاب الله، والأخذ بتعاليمه وتوجيهاته، ففيه نبأ من قبلنا، وخبر من بعدنا، وفيه حكم ما بيننا، فمن حكم به عدل، ومن تمسك به نجا، ومن قال به صدق.
والحمد لله رب العالمين.