العمل سبب في دخول الجنة

نرجع إلى الحديث: (أرأيتَ إن صليتُ المكتوبات، وصمت رمضان ... ) والأحاديث الأخرى ذكرت الزكاة والحج، فاستكمل بذلك أركان الإسلام.

هنا يقول الرجل: (أأدخل الجنة؟ قال: نعم) .

هنا يبحث العلماء مسألة مهمة وهي: هل بهذه الأعمال يدخل العبد الجنة؟ وحديث: (لن يَدخُل أحدُكم الجنة بعمله أو لن يُدخِل أحدَكم الجنة عملُه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) ينص على خلافه فظاهر الحديثين التعارض.

هناك أيضاً قوله سبحانه: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] .

فهنا: (أرأيت إن صليت المكتوبات وو أأدخل الجنة؟ قال: نعم) .

وقوله تعالى: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] ؛ ولكن الحديث: (لن يُدخِل أحدَكم الجنة عملُه) .

قال العلماء في ذلك: قوله: (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) هل قال: التي دخلتموها؛ أم قال: (أُورِثْتُمُوهَا) ؟! قال: (أُورِثْتُمُوهَا) ، فقالوا: فرق بين الدخول وبين التوريث، أما الدخول فهو فضل من الله؛ لأن العمل مهما كانت رتبة العامل ومهما كانت جسامة العمل؛ فإنه يتوقف على فضل الله في قبوله، ثم إن هذا العمل بأي جهد وبأية قوة وبأية إرادة أداه؟ إنها منحة من الله أن هداه لهذا العمل وأعانه عليه، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] .

فالفضل من الله.

فقالوا: دخول الجنة بفضل من الله، فإذا ما دخل أهل الجنة الجنة هناك يأتي دور التوريث، وأي شيء يتوارثونه؟ قالوا: جاء في حديث القبر: (إن العبد إذا وضع في قبره -نسأل الله السلامة والعافية- إن كان مؤمناً فأول ما يُفتح له باب إلى النار ويقال له: ذاك مقعدك لو لم تؤمن، ثم يغلق عنه حالاً، ويُفتح له باب إلى الجنة ويقال: ذاك مقعدك يوم القيامة، فيقول: يا رب! أقم الساعة، أقم الساعة، وإذا كان كافراً -عياذاً بالله- فأول ما يُفتح له باب إلى الجنة، ويقال: ذاك كان مقعدك من الجنة لو آمنت، ثم يغلق عنه ويُفتح له باب إلى النار ويقال: ذاك مقعدك من النار يوم القيامة، فيقول: يا رب! لا تقم الساعة، يا رب! لا تقم الساعة) .

إذاً: كل إنسان له منزلان: منزل في الجنة.

ومنزل في النار.

فإذا كان يوم القيامة ودخل أهل الجنة في منازلهم ودخل أهل النار في منازلهم، خلت منازل أهل النار في الجنة، تلك المنازل التي خلت من أهلها يرثها المؤمنون، وبأي صفة؟ الربع والثمن والسدس كالفرائض؟ لا.

بقدر أعمالهم، وبقدر درجاتهم وعلو منازلهم عند الله، يرثون تلك المنازل.

إذاً: لا تعارض بين قوله سبحانه: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] ولا بين الحديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) .

وعلى هذا يكون هذا الحديث مبيناً لعلة دخول الجنة، وعد من الله، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، والعَشَم في وجه الله عظيم، وكل مؤمن عند النزع يقدم الرجاء على الخوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015