حقيقة الحياء من الله: مراقبة الله، وكما قالوا: أشد ما يكون الحياء لكي تشعر بذلك -كما ذكروا عن الجنيد رحمه الله- أن تتذكر نعم الله عليك، وتنظر شكرك لنعم الله، فإذا تذكر العبد ما أنعم الله به عليه أولاً في ذاته، نعمة بصره، ونعمة سمعه، ونعمة ذوقه، ونعمة نطقه، ونعمة شمه، ونعمة بطشه وحركته، وكل ما أنعم عليه بذلك، فلينظر هل أدى شكر تلك النعم أم أنه قصّر في شكرها؟ بل إنه تجاوز التقصير واستعمل نعمة الله في معصية الله.
أول ما يكون الحياء أن تعترف بنعم الله عليك، وتقدرها في نفسك، وتعظم عطاء الله عندك، ثم بعد ذلك تفكر فيم صرفت هذه النعم، هل هي في طاعة الله، أم في معصية الله؟ وكما جاء الحديث: (أنا والملأ في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد) .
إذاً: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) إذا أردت أن تفعل شيئاً هل هذا الفعل قبيح يستقبحه الناس، وصاحب المروءة والإباء يستحي من الناس أن يفعل ما ينكرونه عليه؟ إذاً الحياء يرد الشخص، فإذا نزع منه قناع الحياء لم يبق فيه خير، فربما الحيوانات تكون أشد امتناعاً منه.
وعلى هذا يكون هذا الحديث كما قيل: يشمل جميع تعاليم الإسلام؛ لأن تعاليم الإسلام إما أمر بفعل واجب أو مندوب، أو نهي عن أمر محرم أو مكروه، وإذا كنت تفعل شيئاً محرماً أو مكروهاً هذا فعل يستحى منه، فإذا كنت لا تستحي فإنك ستفعل كل ما حرم الله وتقصر في كل ما أوجب الله عليك.