وجاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله! لا يكمل ولا يتم يقين العبد حتى يكون يقينه بما عند الله أقوى مما في يده، ويرد عند العوام مثل يقول: تضرب يدك، وتقسم لغيرك! فلعلها تكون في يدك وتستعصي عليك أو تأخذها في حلقك وتكون غصة وترجع، ولكن ما كان عند الله سوف يأتيك، وعائشة تقول ذلك عن تجربة، وعن عمل، إيمان ويقين، كانت صائمة، وعندها قرص شعير فقط، فجاء مسكين يقول: يا آل بيت محمد! مسكين بالباب، فقالت عائشة لـ بريرة: أعطي المسكين، فقالت: ليس عندي ما أعطيه، قالت: أليس عندك شعير؟ قالت: هو قرص واحد لك لتفطري عليه، قالت: أعطي المسكين، وعند الفطور سيرزق الله، فراحت بريرة تمشي خطوة، وترجع خطوة، كيف عند الفطور يرزق الله؟ ما أعجبها هذا الكلام، وفرق بين بريرة وبين عائشة، فأعطت المسكين وهي كارهة، وجاء المغرب ولم يأت رزق الله، فقامت عائشة تصلي، وقبل أن تفرغ من صلاتها، إذا بقارع يقرع الباب، وفتحت بريرة وأخذت ما أعطيت، ولما سلمت أم المؤمنين، فإذا بشاة بقرامها مشوية، والقرام هو الذي تلف فيه الشاة من العجين، وكل بقايا أجزاء الشاة كاملة، قالت: ما هذا يا بريرة؟! قالت: رجل أهداه إلينا، والله! ما رأيته يهدي إلينا قبلها قط، تعني: ما هي بحسب العادة، لكن حالة حادثة نادرة، لو كان ممن يهدي كل مرة، لقلنا: على حسب العادة، لكن هذا لم يأت من قبل أبداً، فأيقنت بريرة بما قالت أم المؤمنين، وقالت لها: يا بريرة! كلي فهذا خير قرصك، والله! لا يكمل يقين العبد حتى يكون يقينه بما عند الله أقوى مما في يده، فأم المؤمنين كان يقينها فيما عند الله أكثر من قرص الشعير الذي عندها، وهذا الواجب على كل مسلم؛ لأن الذي عند الله محفوظ، والذي في يدك غسؤ محفوظ، والله سبحانه أعلم.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإيمان واليقين، وأن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا وإياكم حسن التوكل عليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو توكلتم على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً) ، ما عندها زراعة، ولا مستودع، ولا تجارة، ولا شيء، ولكن تتوكل على الله سبحانه وتعالى.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.