يقول السيوطي: ما أوتي نبي معجزة إلا وأوتي نبينا صلى الله عليه وسلم من جنسها.
فموسى عليه السلام أوتي العصا تنقلب حية تسعى، والرسول صلى الله عليه وسلم أعطى عكاشة في بدر قطعة خشب لما جاءه وقال: انكسر سيفي، فأعطاه عوداً من الخشب وقال: اضرب وقاتل بهذا، فأخذه فانقلب في يده سيفاً بقي عنده إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
والرسول صلى الله عليه وسلم حينما لقي ركانة في مكة قبل الهجرة ودعاه إلى الإسلام، قال: (يا محمد! دعك عني، قال: أتصارعني، فإن صرعتني فلك شاة، فصارعه، فصرعه رسول الله، فقال ركانة: واعجبا تصرعني أنت، والله ما وضع أحد جنبي على الأرض قبلك، أتعود للثانية؟ قال: نعم، قال: ولك شاة.
ففعل ذلك ثلاث مرات، حتى قال ركانة: يا ويح ركانة، ماذا أقول لأهلي: شاة أكلها الذئب وشاة شردت عني، وماذا أقول في الثالثة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: لا أجمع عليك الغلبة والشياه، خذ شياهك، فعجب ركانة، قال: أتعجب يا ركانة! ألا أريك أعجب من هذا؟ قال: وما هو؟ فنظر إلى شجرة هناك فقال: تعالي، فجاءت تخط الأرض حتى وقفت بين يديه، ثم قال: عودي حيث جئت، فعادت، فقال: ركانة أمهلني أنظر في أمري) .
أكثر من هذا أن الجذع الذي كان يحن إليه صلى الله عليه وسلم، جذع له ثمان سنوات وهو يخطب عليه؛ لأن المنبر صنع سنة ثمان من الهجرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ على الجذع حينما يخطب، فلما تحول وصعد المنبر، فإذا بالجذع اليابس يحنّ لرسول الله كحنين الناقة العشراء، يسمعه جميع من في المسجد، فيأتي إليه ويمسح عليه، ويقول له: (إن شئت ذهبت وغرستك في البستان وصرت نخلةً تثمر تعود إليه الحياة، وإن شئت أن تكون غرساً من غرس الجنة أدفنك هنا في الروضة، فيجيب الجذع وهم يسمعون: بل أكون من غرس الجنة) .
موسى عليه السلام كان معه معجزة الحجر، كما قال الله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [الأعراف:160] ، يخرج الماء من اثنتا عشرة عيناً من الحجر الذي مع موسى بضربة من العصا.
والنبي عليه الصلاة والسلام في عدة مرات يقل عليهم الماء ويؤتى صلى الله عليه وسلم بمخضب -إناء صغير- فيه ماء، ويضع فيه كفه ويدعو الله بما شاء، فإذا الماء ينبع من بين أصابعه، فيتوضئون ويشربون ويرتوون.
ونتساءل أيهما أقرب إلى طبيعة الأشياء: انبجاس الماء من حجر وهو جزء من أجزاء الأرض التي تختزن الماء في جوفها، أو نبع الماء من بين دم ولحم؟ وأيهما أدخل في الإعجاز؟
صلى الله عليه وسلم الذي من بين الأصابع، لأن الحجر يمكن أن تضعه في الأرض ويمتد له الماء من الأرض، والحجر من طبيعته أن ينبت الماء، ولكن أن يخرج الماء من بين الأصابع ويسقي الناس هذا عجيب!.
عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه ويحيي الموتى بإذن الله، وكم من مريض شفاه الله على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب حينما كان أرمد يوم خيبر، وجيء به يقاد بين اثنين؛ فيتفل في عينه صلى الله عليه وسلم فلا يرى رمداً بعد ذلك، وأبو قتادة الأنصاري سالت عينه على خده في أحد، وردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن العينين إبصاراً.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالمعجزات، وفي كل قومٍ يؤتى لهم بما يناسبهم.
جاء أعرابي وسلم وكانوا يتعشون، فجلس وقال: (يا محمد! من يشهد أنك رسول الله؟ قال: القصعة التي تأكل منها، فرفعها فإذا بها تقول: محمد رسول الله، فقال الذي بجواره: أسمعنيها يا رسول الله؟ قال: أسمعه، فلما طلب الثالث قال: ضعها في الأرض) ، ولم يتركها تتجول بين الناس؛ لأنها أمور خارقة للعادة.