ورود الاستعانة في أول سور القرآن دليل على أهميتها

ولعظم قضية الاستعانة، ولعظم حاجة العبد إليها، صُدرت في القرآن، وتعبدنا الله بسؤالها في كل ركعة من الصلوات في سورة الفاتحة،: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] .

فبعد البسملة الحمد والثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، ولا يكون ذلك إلا لله، ثم جاء الوصف العام (رَبِّ) والرب هو: الخالق، المدبر، المربي، الحافظ، الرازق، فالرب هو: الذي يربي، ويصلح المسألة، عشرة معانٍ في اللغة لمعنى الرب، وقوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، جمع: عالم، فمنهم: الإنس، والجن، والملائكة، والحيوان، والوحش، والطير، والحوت، والنبات، والجبال، والجماد، والهواء، والماء، فكل ذلك عوالم لله، خاضعة لقدرته وإرادته، وهو المسير لها والمسيطر عليها، وهو ربها، خلقها ويدبرها، لا الماء يطغى على اليابس، ولا اليابس يغرق في الماء، ولا الليل سابق النهار، قال الله {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40] كل في نظام عجيب، فالله هو رب هذا العالم كله، الشجر لا يزهر ولا يثمر ولا ينبت إلا بإذنه، والأنثى من كل المخلوقات لا تحمل ولا تضع إلا بإذنه، وكل هذه الكائنات تحت تصريف وتدبير الله، فالحمد لله؛ لأنه رب العالم كله، فاستحق الحمد بذاته، وربوبيته للعالمين من رحمته كما قال: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولم يقل: رب العالمين، الملك الجبار، مع أنه قادر قاهر جبار، ولكن ذكر الرحمة في معرض التربية، وفي معرض الرعاية، فهو رحمن رحيم، وهذا في أمور الدنيا، وفي الآخرة هو الملك الواحد الأحد، كما قال الله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] .

إذاً: أيها العبد! إذا كنت فرداً من عوالم هذا الكون، وكلها تحت ربوبية الله، والله رب العالمين بيده نواصي المخلوقين، سماءً وأرضاً، وجبالاً وبحاراً، وفي الآخرة الملك يكون لله، فأنت في الدنيا تحت ربوبية الله، وفي الآخرة تحت سلطان وقهر وملك الله، فأين تفر عن الله؟ فتقول: حقاً ويقيناً إياك وحدك نعبد، وإياك وحدك نستعين، وهل أحد له مكانة في هذا الوجود يستحق بها أن يتوجه إليه غير الله؟! لا، ومن هذا الذي ستتوجه إليه؟ وبأي سلطة وبأي استحقاق يعبد من دون الله؟ فالعالم كله مربوب لله، ويوم الآخرة الملك لله، فأين تذهب؟! فتقول: إياك وحدك نعبد؛ لأنك المستحق للعبادة يا رب العالمين! ولا نعبد غيرك، لا بسؤال ولا باستعانة، ولا بخوف ولا رجاء، ولا بشيء، ونستعينك على تلك العبادة؛ لأن من لم يعنه الله على الطاعة فلا طاعة له، وحقاً: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولهذا فإن هذه الكلمة جاءت من كنز تحت العرش، ويذكر بعض العلماء عند هذا الحديث قصة، وهي: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن ابني أخذ أسيراً، وربط بالقد) والقد جلد البعير اللين، إذا شُد على شيء فيبس كان كالحديد، وهذا يفعلونه مع العتاة الذين لا يقدرون عليهم، وصارت أمه تبكي حينما علمت بذلك، فجاء أبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (أرسل إليه من يخبره أن يكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فبلغ الابن ذلك، فأكثر من قولها، فإذا بالقد يتساقط عنه، ثم رأى ناقة قريبة منه فركبها وهرب، فمر بسرح القوم - أي إبلهم - فنادى بها فتبعته، فما فجأ أبويه إلا وهو يطرق الباب، فقالوا: هذا صوت مالك والله! وأمه تقول: مالك في القد هناك يئن، فلما خرج أبوه والخادم وجدوه قد جاء ومعه الإبل، فذهب أبوه إلى رسول الله فسأله.

فقال: (هي إبلك فاصنع بها ما شئت) ، بصرف النظر عن صحة هذا الحديث أو ضعفه، يهمنا أثر (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، ومعناها كما يقول العلماء: لا حول عن المعصية، ولا قوة على الطاعة إلا بالله، والعزيمة والإرادة والتوفيق كله من الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015