ثم قال: (احفظ الله تجده تجاهك) تجاه ويقولون: وجاهه، فأصل التاء من واو، يقال: فلان اتجه إلى كذا، أصلها من الوجه، فاتجه بمعنى اوتجه، والواو إذا جاءت بعدها تاء الاستفعال تبدل تاء وتدغم التاء في التاء، مثل: اتقى، أصلها: اوتقى، فالواو أبدلت تاء، وأدغمت التاء في التاء، فأصلها: (تجد الله توجاهك) ، فالاتجاه هو قصد العبد، وأخذ من الوجه أساساً؛ لأن القاعدة في اللغة العربية أن أصول موادها يوضع للمادة المحسوسة، ثم يُنقل إلى الأمور المعنوية، فالوجه مادة محسوسة، والوجهة أمر معنوي، كما قال الله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148] ، وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فالوجهة هي: الجهة والمقصد.
وقوله: (احفظ الله تجده تجاهك) ليس معناه: أمامك وليس وراءك، أو ليس يمينك، أو ليس يسارك، لا، إنما المعنى: تجد الله في كل اتجاه لك تقصده، سواء كان قصداً محسوساً، أو كان قصداً معنوياً، فلو اتجهت إلى طلب العلم تجد الله تجاهك، ولو اتجهت إلى فتح محل للتجارة تجد الله تجاهك، ولو اتجهت إلى حرث أرض لتزرعها تجد الله تجاهك، ولو اتجهت إلى صنعة تحكمها تجد الله تجاهك، وهكذا بصفة عامة؛ ونحن نعلم أن العبد مهما كانت وجهته فهي تحت سلطان الله، لكن المراد بهذا أنك إذا حفظت أوامر الله -على الوجه الذي بينا- كان الله سبحانه وتعالى معك في كل أحوالك.