حفظ الله في العبادات

بعد هذا يحفظ الله فيما توجه إليه من ربه سبحانه من العبادات والمعاملات، وكل ذلك تشريع من الله، فمثلاً فرض الله على العباد الصلوات كما قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] ، فالواجب على العبد في الصلاة أن يحفظها كما قال الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة، فمن حفظهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن ضيعهن لم يكن له عند الله عهد، فإن شاء عذبه، وإن شاء غفر له) ، فالصلاة من العبادات، وقس عليها غيرها، وقال الله كما في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به) وجاء في الحديث: (الصوم جُنة ما لم يخرقها) والجُنة: ما يقي الإنسان، ويجنه من الأعداء، وتكون وقاية بينه وبين الآخرين، فإذا خرّق هذه الجُنة؛ توجهت إليه السهام من تلك الخروق، (قيل: بم يخرقها يا رسول الله؟! قال: يسب هذا، ويغتاب هذا، ويظلم هذا) ، فالجنة كانت من الخير وفعل الخير، وهو مزقها بأفعال الشر.

وفي الزكاة قال سبحانه وتعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة:264] ، وقال: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263] ، فالذي أتبع الصدقة بالمن، وأساء في إعطاء الزكاة، هل حفظها أم ضيعها؟ ضيعها وأبطلها بما أتبعها من المن على المسكين الذي دفعها إليه، ولماذا تمن عليه؟ هل ولدت ومعك هذا المال؟ هل هو حق لك من أجدادك وآبائك؟ المال مال الله، وجعله الله وديعة في يدك، وهو قادر أن يأخذه منك ويسوقه إلى غيرك، ويأخذ من غيرك ويسوقه إليك، وإنما هو ابتلاء وامتحان.

والحج كذلك يحفظ في نيته وقصده، وفي أعماله، فيقيم المناسك، ويعظم شعائر الله وغير ذلك.

فكل العبادات حفظها أداؤها كما أوجب الله سبحانه وتعالى، فمن حج من مال حلال، وزاد حلال، فإذا وضع رجله في الغرز، وقال: لبيك اللهم لبيك! قيل له: لبيك وسعديك، حجك مبرور، وذنبك مغفور.

وإن حج بمال حرام وزاد حرام، فوضع رجله في الغرز، وقال: لبيك، قيل له: لا لبيك ولا سعديك، ارجع مأزوراً لا مأجوراً، ما الفرق بين هذا وهذا؟ هذا ماله حلال كما أوجب الله، وهذا ماله حرام مما نهى الله، فكيف يأتي بيت الله بما حرم الله؟ فكأنه يجاهر بالمعصية، ويتحدى الله في بيته بماله من الحرام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015