دلالة الإسلام على الأعمال الظاهرة والإيمان على الغيبيات

أركان الإسلام كلها أعمالٌ ظاهرة، أولها: النطق بالشهادتين، فالنطق مسموع بالآذان.

وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة: وهي جزء من مالك تخرجه للفقراء.

وصوم رمضان: وهو كف الإنسان عن الطعام والشراب والمبطلات للصيام.

وتحج البيت: وهي رحلة طويلة إلى بيت الله الحرام لها مناسك معلومة في أيام معدودة.

ولذا قالوا: أركان الإسلام تنبعث من معنى الإسلام نفسه، فهو الاستسلام والانقياد، كما قال حكيم الجاهلية: وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا فيقول: أسلمت وجهي، بمعنى: استسلمت وانقدت لمن انقادت إليه العوالم العلوية والسفلية، الذي انقادت وأسلمت له المزن وهي السحب.

تحمل عذاباً زلالا: أي الماء حينما تساق السحب إلى أرض فتسقيها.

السجل: الذَنَوب الكبيرة؛ هذه السحب التي تحمل الماء العذب الزلال، من الذي أنشأها؟ ومن الذي ساقها؟ ولمن تستسلم في مسيرتها؟ لله الذي خلقها.

وهذه الأرض التي تحمل الجبال التي أرسيت بها، من الذي أرساها؟ يقول هذا الحكيم الجاهلي: أسلمت وجهي لمن أسلمت له تلك العوالم التي يشاهدها؛ فكذلك الإسلام: أن يستسلم العبد لله في أوامره بأن يأتي ما أمره الله به، وفي نواهيه بأن يجتنب ما نهاه الله عنه، وإذا كان الأمر كذلك؛ كانت عوامل الاستسلام ظاهرة.

وقد جاءت أحاديث تدل على أن الإسلام أعم من هذه الخمس، مثله قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: بأن يكف عن الكذب، الغيبة، النميمة، الحسد، الحقد إلخ.

إذاً: الإسلام أوسع، وهو يشمل كل ما فيه معنى الاستسلام لله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] ، والآية تشير إلى: (يؤمنوا) (ويسلِّموا) أو كأن الإيمان والإسلام صنوان.

بينما الإيمان: أن تؤمن بالله، وإن لم تره ولم تلمسه، فهو أمر غيبي، ولكن توقن بوجوده استدلالاً بآثاره: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] ، {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} [الملك:16] الآيات.

وملائكته لم نرهم ولم نشاهدهم، وقد شاهد بعض الناس بعض الملائكة فرداً من أفراد الجنس، وإذا رأينا ملكاً واحداً لكأنما رأينا جميع الملائكة؛ لأنها جنس.

لو أن شخصاً ما رأى التمر قط، ثم جيء بتمرة واحدة، ولكنه يرى البرتقال والتفاح والموز، فقال: ما هو التمر؟ قيل: خذ، فإذا رأى تمرة واحدة حكم بها على جنس التمور بجميع أنواعه، وهكذا الواحد بالجنس، والواحد بالفرد، فهذا الملك قد رئي ورآه بعض الناس، ونحن نؤمن بالملائكة ولو لم نرهم؛ لأنه جاءنا الصادق المصدوق بأمرهم، كما سيأتي الكلام على أركان الإيمان.

ونحن نحتاج إلى وقفات عند كل ركن من هذه الأركان، ولكن لا نستطيع ذلك، وإلا لقضينا الوقت كله والليالي العديدة في هذا الحديث، كما يقول ابن رجب: ما من عالم من علماء المسلمين في فن من الفنون إلا ويرجع إلى هذا الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015