إذاً: حقيقة تقوى الله كما قال الحسن البصري وغيره، أو كما قال عمر بن عبد العزيز: (أن تجتنب ما نهى الله عنه، وتمتثل ما أمر الله به، وما زاد على ذلك من خير فهو خير) .
أساس وأصل التقوى المطلوب هو: أن تجتنب المنهيات وتفعل المأمورات، وما جاء بعد تلك الواجبات من امتثال الأوامر واجتناب النواهي فهو زيادة خير.
ولكن كما يقول السلف: إن من حقيقة التقوى أن يترك ما لا بأس به مخافةً مما به بأس.
وكما يقول الآخرون: إن محاسبة الأتقياء لأنفسهم أشد من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه، يحاسب على الصغيرة والكبيرة.
ولذا كان الورع وكان الخوف من الله نابعاً عن التقوى.
وجاء عن سعيد بن المسيب، حينما جاء إنسان وقال له: كيف التقوى؟ قال: أرأيت لو كنت تمشي في أرض بها شوك ماذا تفعل؟ قال: أنظر وأتجنب الشوك أن أطأ عليه.
قال: كذلك التقوى، أن تتجنب المعاصي.
فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء الزهاد العلماء الدعاة إلى الله ونَظَمها في هذه الأبيات: خَلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍِ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى يقول الحسن البصري: (التقوى لا تحصل إلا بسبق العلم) ؛ لأنك إذا لم تعلم ما تتقي ارتكبت المعاصي وفرطت في الواجبات، فمثلاً إذا لم تعلم حرمة الزنا ورأيت امرأة فلن تغض بصرك عنها، وإذا لم تعلم أحكام البيع والشراء وقعت في الربا، إلى آخر ما في الإسلام من فقه وحلال وحرام.
ولهذا فأساس التقوى العلم والمعرفة ثم العمل، وهي منحة من الله سبحانه وتعالى، كما قال بعض السلف: كثير من يتكلم بالتقوى، وقليل من يعمل بها.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتقين، وأن يرزقنا وإياكم ثمرة هذه التقوى.