الجار على ثلاثة أقسام: القسم الأول: الجار المسلم القريب، وله ثلاثة حقوق: حق الإسلام -الأخوة الإسلامية- وحق الجوار، وحق القرابة -صلة الرحم-.
القسم الثاني: المسلم غير القريب، وله حقان: حق الإسلام -الأخوة الإسلامية-، وحق الجوار.
القسم الثالث: الجار غير المسلم، كيهودي أو غيره: له حق واحد، وهو حق الجوار.
ومما يروى في ذلك أن الإمام أبا حنيفة كان له جار يؤذيه، وفي يوم من الأيام لم يجد علامات الإيذاء التي تعود عليها، فسأل عن جاره، فقالوا: إنه في السجن، فسأل عن السبب؟ فقالوا: سجنه الوالي لأمر ما، فذهب إلى الوالي وشفع عنده بأن يطلق هذا الشخص، ولم يعلم الجار بالذي شفع له، فجاءه أمر الإطلاق من السجن، فذهب يسأل لأي شيء أطلقت؟ فقالوا: جاء جارك فلان، وشفع فيك، وعفا عنك الوالي، قال: جاري فلان!! وتذكر إيذاءه له، وكيف قابل إساءته بالإحسان، فذهب يعتذر إليه، وعاهد الله ألا يؤذيه.
ويذكر لنا بعض شيوخنا في المدينة، وهو الشيخ عبد الرحمن الإفريقي رحمه الله، أنه كان يسكن في المدينة، وأولاده يلعبون مع أولاد الجيران، فتشاجر الأولاد مع بعض، فجاء والد أحد الأولاد وضرب ولد الشيخ، وذهب الأولاد واشتكوا، فأخذ الرجل وحبس، وفي الظهر علم الشيخ بذلك، فقال: أين الرجل؟ قالوا: محبوس، فذهب بنفسه إلى الشرطة وقال: هذا ولدي، وأنا وليه، وليس لنا دعوى على أحد.
والذي يهمنا التأكيد على حقوق الجار، سواء كان أجنبياً أو كان قريباً مسلماً، أو غير مسلم، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان له خادم يهودي، فمرض هذا الخادم، فسمع صلى الله عليه وسلم بأن خادمه اليهودي مريض، فقال لمن عنده: (هلموا بنا نزوره) ، سيد الخلق يزور خادماً يهودياً، فالعوام يقولون: اجتمعت فيه الخستان، كونه خادماً، وكونه يهودياً، ولكن مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم تطغى على هذا كله، فذهب ومعه أصحابه، فوجد الخادم في النزع، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا غلام! قل: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه وكان عند رأسه، فقال الأب للغلام: أطع أبا القاسم يا بني! فنطق بالشهادتين ومات في الحال، فقال صلى الله عليه وسلم لمن معه من أصحابه: تولوا أمر أخيكم) ، لأنهم صاروا أولى به من أبيه؛ لأنه دخل في جماعة المسلمين.