هذا الحديث النبوي الشريف يحفظ على المسلم دمه، ويبين حماية الإسلام للمسلم بقوله: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولا يحل دم هذا المسلم إلا بإحدى ثلاث، فواحدة من هذه الثلاث تبيح دمه؛ لأنه بواحدة من هذه الثلاث يوقع الفساد في المجتمع، فالزاني مفسد للأنساب، لاسيما المحصن، فإن البكر ولو تكرر منه الزنا عشر فحده الجلد، رجلاً كان أو امرأة، أما الثيب فإنه لأول مرة يقتل ويرجم، ولو قال إنسان: هذا زناً ووطء محرم، وهذا زناً ووطء محرم، فكيف يكون حد البكر الجلد بلا إزهاق النفس، وحد الثيب القتل والرجم؟ لو فكر الإنسان في وصف البكر الذي لم يتزوج رجلاً كان أو امرأة لعلم الحكمة، فالمرأة البكر التي لم تتزوج، لو زلت قدمها ووقعت في الزنا، فزناها أهون من المحصنة وقد جاء في الحديث: (إن الله كتب الزنا على كل شخص، فهو يصيب ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها اللمس، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ، وفي رواية: (والقلب يزني وزناه التشهي والهوى) ، فكل ذلك من الزنا، والفرج يصدق أو يكذب، فلو قدر أن فتاة بكراً زلت بها قدمها فزنت، فلو حملت من هذا الزنا هل يمكن أن تلصق هذا الولد بزوج سابق؟ لا، ويعلم الجميع أنه لا أب له، أما الثيب المرأة المتزوجة، فلو أنها زنت وحملت من الزنا، فولدها سيكون تحت مظلة الزوج، وتلحق بالزوج من ليس له، فتفسد الأنساب، ويكون هناك مفاسد كبرى، فولدها من الرجل الأجنبي يعيش مع بنات هذا الزوج كأخ لهن، وهو أجنبي عنهن، ويعيش مع هذه المرأة على أنها أمه، ويرثها، وإذا مات الزوج ورثه على أنه ابنه، وهو ليس ابناً له، ولا يحل له الميراث.
إذاً: زنا الثيب يلحق أضراراً كثيرة بالمجتمع، ويوجد في الأسرة ولداً تحت مظلة الزوج، ولو كانت مطلقة، أو توفي زوجها، ثم بعد سنة ارتكبت الزنا وجاءت بولد، فممكن أن تقول: هو من الميت أو من الزوج المطلق، فتتعلق بوسيلة ما، أما البكر فليس لها طريق عذر، وإن قدر شيء فهو محدود ومحصور وقائم بذاته، وولدها لا يلحق ولا يناط بأحد.
وكذلك حد قتل النفس فيه حكم عظيمة، فلو ترك الناس يقتل بعضهم بعضاً لانتشر الفساد في الأرض، ولما أمن أحد.
وهكذا قتل التارك لدينه، فلو ترك لكل إنسان أن يلعب بالدين كيفما شاء، لعظم الفساد والشر، وقد يقول قائل: وماذا تقول في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] ، فيرتد أو لا يرتد فهو حر؟!! نقول: لا، آية: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} سبب نزولها معروف، ولو ترك الباب مفتوحاً لكل من أراد التلاعب بالدين، لصار اليوم مسلماً، وغداً يهودياً، وبعدها نصرانياً، وعاش مع المسلمين، وورث من أموالهم، وتزوج من نسائهم، ثم ينتقل إلى النصارى بأموال وميراث المسلمين، وبعد أن علم بأحوالهم وانتقل إلى الآخرين، وهكذا ينتقل إلى الدين الثالث، ثم يرجع، ويصبح كاللولب يلعب بالأديان كلها، فهذا فساد عظيم، وإشارة إلى عدم صلاحية دين من هذه الأديان، فآية: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لا تتعارض مع هذا الحديث، ولا مع هذه القضية، فنزولها كان في أول الأمر، فكان لا يكره أحد، بل يترك له الاختيار إلى أن يقتنع ويرى وينظر، ثم بعد ذلك نسخت بهذا الحديث، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ... ) ، ولم يقل: حتى يتخيروا، وأتركهم على اختيارهم، وكان إذا بعث جيشاً أو سرية قال لقائدها: (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فكف عنهم، وإن هم أبوا فأعلمهم أن عليهم الجزية، فإن دفعوها فكف عنهم، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم) ، فما ترك الناس على اختيارهم بل يلزمهم أن يختاروا الإسلام أو الجزية أو السيف، فهذا الحديث عظيم بين حرمة المسلم في الإسلام، وبالله تعالى التوفيق.