عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قدم إلى المدينة بلا شيء، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين رجل من الأنصار، وأخوه الأنصاري عنده زوجتان، فقال له: هلم إلى زوجتي فاختر أيهما شئت، فأطلقها وتعتد وتتزوجها، وهلم أقاسمك مالي، سبحان الله العظيم! فقال: أمسك عليك زوجك، وبارك الله لك في مالك وفي زوجك، دلني على السوق، فذهب إلى السوق، وأخذ يبيع ويشتري، يأتي يوم بأقط، ويوم بسمن، ويوم بكذا وكذا، حتى اتسعت تجارته، وأصبحت القوافل تأتي إليه من الشام إلى المدينة، ومرة في يوم جمعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فإذا بطبول القافلة تدق، فخرج الناس إليها، ونزلت الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:11] ، فما بقي في المسجد إلا إثنا عشر رجلاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو خرجوا جميعاً عن بكرة أبيهم لسال عليهم الوادي ناراً) ، فعلم عبد الرحمن أن تجارته هي سبب انصراف الناس، وجاءه التجار وأعطوه في المائة ربح درهم، ودرهمين وخمسة وعشرة وهو يقول: عندي زيادة، فأعطوه في المائة عشرين ثم خمسين ثم في المائة مائة فقال: عندي زيادة! فقالوا: يا ابن عوف! ليس في المدينة تاجر إلا وقد حضر، فمن يدفع لك أكثر من ذلك؟ فقال: ربي، هي صدقة في سبيل الله، القافلة كلها بعيرها وعبيدها وتجارتها في سبيل الله! لماذا؟ لأنه علم أنها سبب خروج الناس عن رسول الله، وقد رأى رؤيا بأن القيامة قامت، وعرض ونوقش حتى ظن أنه هالك، وقال: ما أنجاني إلا صحبتي لك يا رسول الله! هذه هي النفوس المطمئنة، والقلوب الخاشعة.