راوي هذا الحديث هو: أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وأمه هي: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه بالبنوة تشريفاً وتكريماً حينما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر، فأخذه وحمله وقال: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين من المسلمين) .
وصفه النووي بأنه ريحانة رسول الله، والريحانة نبت معروف، وهو الريحان، وهو من أنواع النباتات العطرية، ومادة: روح مثل ريحان والارتياح تعطي الارتباط من ارتياح النفس إلى الطيب، وقد كان الحسن والحسين رضوان الله تعالى عليهما ريحانتي المصطفى، وهما سيدا شباب أهل الجنة، والريحانة استعملت هنا إما على سبيل الاستعارة، أو على سبيل الحقيقة، فالاستعارة لارتياح النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤيتهما، والحقيقة حينما يأخذهما ويشمهما فإنه يجد منهما انطلاقاً من العاطفة والرحمة- مثلما يجد من شم الريحانة بالفعل.
ونحن نشاهد هذا بين الطفل وأمه، وبين الأم وطفلها، تجد الأم لو كانت مكتئبة وولدها غائب عنها، فإذا أخذته -وخاصة إذا كان صغيراً- فإنها تقبّله وتشم رائحته، وقد قال سبحانه في قصة يعقوب مع يوسف: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف:94] ، إذاً: فهو ريحانة رسول الله إما على الحقيقة فيجد منه الريح الطيبة ويرتاح إليه، وإما على سبيل الاستعارة، فكما ترتاح النفس إلى شم الريحان فكذلك ترتاح إلى رؤيتهما، ومهما يكن من شيء فيكفي في مناقبهما رضوان الله تعالى عنهما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعل الله أن يصلح به بين الطائفتين) ، وفعلاً بعد أن توفي علي رضي الله تعالى عنه، بويع الحسن خليفة، ومكث في الخلافة ستة أشهر، قال علماء التاريخ: وهي تتمة الثلاثين عاماً المذكورة في حديث: (الخلافة ثلاثون عاماً، ثم يكون بعد ذلك الملك العضوض) ، وهذا أمر تاريخي لا حاجة لنا في الخوض فيه، فبايعه أربعون ألفاً من أهل العراق، وذهب ليلتقي مع معاوية، فلما التقى الجيشان، رأى أنه إن كان غالباً أو مغلوباً فلابد من إراقة الدماء، ولابد من قتل الأنفس، ولابد من ضحايا من الجانبين، فرأى أن يترك الأمر لـ معاوية، ولم ينازعه حقناً للدماء، وكتب شروطه وقبلت بكاملها، وحقق الله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يصلح الله به بين طائفتين) وقالوا: إن يزيد بن معاوية بعد أن استتب الأمر لأبيه، أرسل إلى زوجة الحسن لتسمه، وكان من أمره ما كان، ونرجع إلى شرح الحديث، ولا ندخل في قضايا التاريخ.
ووصف النووي هنا الحسن بن علي بأنه سبط رسول الله، والسبط ولد البنت، قال: حفظت، وهو رضي الله تعالى عنه ولد في السنة الثالثة من الهجرة، ومعنى ذلك أنه أدرك من حياة رسول الله سبع سنوات، وفي هذه الحالة إذا روى حديثاً فإنه يحتاج إلى التثبت وإلى التأكد؛ ولذا يقول: حفظت، ومن كان في سن السابعة يحفظ، ومن هنا قال: حفظت من رسول الله، وأحاديثه قليلة؛ لأنه -كما أشرنا- توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنوات، فمما حفظ قوله صلى الله عليه وسلم: (دع) بمعنى: اترك (ما يريبك إلى مالا يريبك) (ما) من صيغ العموم، وهي بمعنى: الذي، والريبة: الشك واللبس كما في قوله سبحانه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] أي: لا شك ولا لبس فيه، والشيء الذي فيه الريبة، والذي فيه الشك واللبس بخلاف ذلك، وقوله: (دع ما يريبك) أي: اترك الشكوك وما فيه الريبة في نفسك إلى ما لا ريبة ولا شك فيه، وعليك بما كان خالصاً واضحاً لا لبس فيه ولا شك فيه.
وهذا الأمر (دع) فعل أمر بمعنى اترك؛ لأن (دع) ليس لها ماض، ولها مضارع (يدع) ، فدع فعل أمر أغفل ماضيه.