نواصل الكلام عن الحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ... ) إذاً: الغاية من قتال رسول الله للناس ما هي؟ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، لا أن يفكوا عن المسلمين قتالهم، لا وكلا.
بقي الحديث عن (يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) يبحث العلماء في منطوق الشهادتين من باب البحث العلمي: لو أن إنساناً جاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا السميع العليم، ولم يقل إلا الله، فهل يجزئه ذلك أم لا؟ أو قال: أشهد أن أحمد رسول الله، ولم يقل: محمداً رسول الله، هل يجزئه ذلك أم لا؟ الجمهور يقولون: لا، وبعض من أهل المذاهب يقول: نعم تجزئ؛ لأن المطلوب الإقرار، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لعمه: (قل كلمة أحاج لك بها عند الله) إذاً هي كلمة مقصودة وهي: لا إله إلا الله، ثم لفظ الجلالة: الله، علم على الذات، ولا يشاركه سبحانه في هذا العلم أحد، بخلاف (الرحمن) فإن هناك رحمان اليمامة، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كاتبه في صلح الحديبية أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: لا نعلم رحماناً إلا رحمن اليمامة، اكتب: باسمك اللهم) .
وكذلك (الرحيم) {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] سمي بها صلى الله عليه وسلم، كل صفات الله قد يشاركه فيها المخلوق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] وكل حيوان يأكل ويشرب سميع بصير، ما عدا لفظ الجلالة: الله، كلمة: (إله) يمكن أن تطلق على معبود بغير حق، لكن: (الله) لا تطلق إلا على رب العزة سبحانه، إذاً: لا يغني ولا يجزئ عنها غيرها.
كذلك: محمد رسول الله، عيسى عليه السلام قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] إن قال: أشهد أن أحمد كما سماه القرآن يجزئ، وما عداه من الأسماء كالماحي والعاقب والحاشر إلى آخره لا يجزئ.
بصرف النظر عن هذا نقول: إذا كان يريد أن يقر بالإسلام لا يضيره أن يلتزم بما قاله صلى الله عليه وسلم ويقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) .
(ويقيموا الصلاة) إقام الصلاة جزء من الشرط على كف اليد عنهم أو على عصمة المال للمشركين، أن يشهدوا وأن يقميوا، فإذا لم يقيموا الصلاة، نكف عنهم، أو نقاتلهم عليها؟ يقول الجمهور: بأنهم إذا نطقوا بالشهادتين ولم يصلوا قاتلناهم عليها، وليس قتلناهم.