قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) : تجد في بعض النسخ: قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة.
ثلاثاً) ، فهل كلمة (ثلاثاً) اختصار في الكتابة، متعلقة بـ (قال) ، أو هي متعلقة بـ (النصيحة) .
الصحيح في الأسلوب أنها متعلقة بالنصيحة، وبهذا يكون السياق سليماً، مع احتمال أنه أراد الاختصار؛ ولكن صحت الرواية: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة) فرجح هذا أن (ثلاثاً) متعلقة بـ (قال) لاختصار الكتابة.
وهذا التكرار والتأكيد لبيان أن الدين بكامله من أول أركان الإسلام إلى أركان الإيمان إلى الإحسان إلى العقائد إلى كل ذلك، يجمعه كلمة (الدين) لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جبريل بعد أن أجابه عن أسئلته (هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) ، وجبريل سأل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة، وفصل الجواب عنها، كل ذلك جمعه صلى الله عليه وسلم تحت عنوان: (الدين) .
إذاً: (الدين) في كلمة هو يحتاج إلى تقوية هذا الإخبار للسامعين.
وإذا كان هذا الحديث بهذه المثابة وهو من أبلغ كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هي النصيحة؟ النصحية لغةً: يقولون: الإخلاص أو التخليص.
والأصل في النصح: يقال: نصح العسل إذا صفاه عن الشمع.
وتقول أنت: نَقَح الحبّ -أو نَقَّح الحبّ- إذا صفى الحب من التبن.
وبهذا يجتمع كل تعريف النصيحة في الإخلاص والإصلاح، أو ما استخدم للإصلاح ولذا قالوا: النَّصْح، الإبرة نصاح، الخيط نصاح، الخياط ناصح؛ لأن الإبرة بالخيط في يد الخياط تصلح شق الثوب، أو تصلح الثوب لصاحبه.
فقالوا: النصح هو: الإخلاص.
وإذا كان النصح أو النصيحة هي الإخلاص، فالإخلاص لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) : ماذا بقي بعد هذا؟ لم يبق شيء؛ حتى الحيوان تنصح له امتثالاً لأمر الله، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (في كل ذي كبد رطبة أجر) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... ) الحديث.