الناس في اليقين على مراتب، إذ يتفاوتون بقدر صدق الإيمان وقوته، وبعض الناس يحتاج إلى تأليف قلبه حتى بالمادة، إلى أن يستقر الإيمان في قلبه.
وجاء أيضاً في باب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يذكره العلماء- عند قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] ، هذا في سياق المنافقين.
وقبلها قال جل شأنه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] إلى قوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:65-66] .
فلو أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم القتل كما كتب على اليهود من قبل في توبتهم أو الخروج من ديارهم كما خرج المهاجرون من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ما فعل هذا القتل أو الخروج إلا قليل منهم.
جاء بعض اليهود إلى بعض المسلمين -قيل: جاءوا إلى أبي بكر، وقيل: إلى عمر، وقيل: إلى بلال، وقيل: إلى فلان، فقالوا: (واعجباً! نحن كلفنا بأن نقتل أنفسنا توبةً لله ففعلنا، وأنتم يأتيكم رسول منكم تعرفونه وتؤمنون به وتتبعونه ولا تحكمونه فيما بينكم؟! فقال عمر رضي الله عنه: والله لو أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل نفسي لفعلت، والحمد لله لم يأمرنا -قالها يقيناً وامتثالاً- فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله اليهود رد عليهم بمقالتهم، فقال: إن هذا الإيمان لهو في قلوب بعض الناس كأمثال الجبال) .
أيحتاج إلى شواهد مادية؟! لا.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع الناس لأنه يحدثهم بأمر غيب وبأمر بعيد وو إلى آخره.
فلما جاءت قصة تميم الداري وسمع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس وأخبرهم بما رأى تميم.
وهنا يقول بعض العلماء: الرسول يروي عمن؟ يقولون: هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، فقد يأتي إمام كبير جليل ويأتي أحد طلابه ويسمع حديثاً من جهة ما عن بعض الشيوخ بسند أطول ويسمعه شيخه منه ويكون الطالب عدلاً ثقة عنده، فيروي الشيخ عن تلميذه، وقد يروي الشيخ حديثاً ويسمعه طلابُه وينسى الشيخ ما حدث به، فيأتي الطلاب فيظلون يذكرونه: أنت حدثتنا كذا، فيقول: أنا نسيت، فيروي الشيخ مرة أخرى: حدثني فلان عني أني حدثتهم عن فلان عن فلان، فيجعل نفسه أحد الرواة بعد أن كان هو الشيخ الذي روى ذلك، وهذا باب في علم مصطلح الحديث، وهو يشف عن مدى التحري والصدق والأمانة في النقل.
وفي هذا الحديث لما ذكره تميم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إلا مكة وطيبة.
تقول فاطمة في بعض رواياتها: لكأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمش في المنبر بإصبعه: طيبة هذه، طيبة هذه) أي: المدينة المنورة، ومن أسمائها: طيبة، وطابة وذكر لها بعض العلماء في كتب التاريخ فوق الأربعين اسماً.