(أمر) مفرد لأوامر، ويأتي مفرد لأمور، يقال: أمرت أمراً، وصدرت أوامر، وتقول: حدث أمر وأمور كثيرة، فأمر مفرد أوامر بمعنى: تعليمات، وهي ضد النواهي، ويكون بمعنى أمور أي: أحداث تحدث.
و (أمرنا) هنا من القسم الثاني، وليس من باب الأوامر والنواهي، ولكن (أمرنا) أي: الشأن الذي نحن عليه، وماذا يقصد بالشأن الذي نحن عليه؟ نحن في أحد أمرين: إما أمر الدنيا، وإما أمر الدين.
وأمر الدنيا يشاركنا فيه كل العالم، المسلم والكافر فيه سواء، وأمور الدنيا ليست خاصة بالمسلمين بل هي عامة، فالأكل والشرب ليس من أمرنا خاصة، والسفر والحضر ليس من أمرنا خاصة، والنكاح والطلاق ليس من أمرنا خاصة، والدواء والصناعة ليس من أمرنا خاصة.
إذاً: أمور الدنيا ليست من أمرنا خاصة، ولكنها عامة للعالم كله؛ لأن أمر الحياة يقتضيها.
فقوله: (في أمرنا) معناه: في الشأن الخاص بنا وهو الدين.
إذاً: الحدث مرتبط بشيء خاص وهو الدين وليس متعلقاً بالدنيا، ومن هنا لا يجوز لإنسان أن يقول عن أمر من أمور الدنيا: هذا محدث هذا ممنوع هذا رد، لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا) ، من قبل كنا نسافر على الأقدام ونركب الدواب، ثم جاءت السيارات والطائرات، فهل يقول قائل: هذه أحدثت وهذه محدثة لم تكن موجودة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا، وليس لأحد حق في ذلك، بل جاء ما يرد عليه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أنه قال: (أنتم أعلم بدنياكم مني) ؛ لأنها أمور الدنيا، وأمور الدنيا في العالم كله ليست على وتيرة ومنهج واحد، بل لكل بلد منهجه في حياته، وحتى الصناعات لا تتفق في أنحاء العالم.
فالشرع الحنيف ترك أمر الدنيا للناس في دنياهم على ما تقتضيه مصالحهم، أما أمر الدين فهذا لله.