النموذج الأول: ما قاله صلى الله عليه وسلم (كان رجلٌ فيمن كان قبلكم قتل تسعاً وتسعين نفساً، فجاء وسأل رجلاً عابداً: هل لي من توبة؟ قال: كيف تتوب وقد قتلت تسعاً وتسعين؟ فقتله فأكمل المائة، ثم ذهب وسأل عالماً، فقال له: نعم، ومن يحول بين العبد وربه؟ تب إلى الله يقبل توبتك، ولكن اخرج من هذه البلدة التي فيها قرناء السوء، واذهب إلى القرية الفلانية فيها رجال صالحون يعبدون الله فاعبد الله معهم، فخرج الرجل تائباً إلى الله، فلما انتصف به الطريق مات، فجاءت ملائكة الرحمة بكفن وحنوط من الجنة، وجاءت ملائكة العذاب بكفن وحنوط من النار، وكل جلس مد البصر ينتظر انتزاع الروح ليأخذها إلى جانبه، فاختصموا فيه فأرسل الله إليهم ملكاً على صورة رجل، فقال: قيسوا ما بين البلدين وألحقوه بأقربهما منه، فقاسوا ما بين البلد التي خرج منها والبلد التي ذهب إليها، وفي الحديث: إن الله قد أوحى إلى هذه أن تباعدي، وأوحى إلى تلك أن تقاربي- تنزوي الأرض، بقدرة الله- وفي بعضها: أن الله أقدره بأن نأى بصدره إلى الجهة التي خرج إليها، فكان الفرق ذراعاً فقط فأخذت روحه ملائكة الرحمة) .
النموذج الثاني: قصة الغلام اليهودي الذي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، (افتقده الرسول صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقالوا: إنه مريض.
قال: قوموا بنا إليه لنعوده، فذهبوا إليه فوجدوه في النزع، فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: يا غلام! قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه وكان عند رأسه، فقال له: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بما أملى عليه رسول الله قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وافتلتت روحه، فحينئذ قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تولوا أنتم أمر صاحبك) بمجرد أن قال: لا إله إلا الله أصبح صاحبنا، وأصبح المسلمون أولى به من أبيه، ماذا صلى؟ وماذا صام؟ وماذا زكى؟ وماذا فعل من خير؟ لا شيء، ولكنه كان يعمل بعمل أهل النار، وكان بينه وبينها أقل من ذراع فسبق عليه الكتاب فدخل الجنة.
ومن هنا كان السلف إذا تذكروا هذا الحديث بكوا وقالوا: لا ندري حينما كتب الملك هل كنا من الأشقياء أم من السعداء؟ كما يقولون: ما ندري عند نزع الروح أي الصنفين من الملائكة يكون عندنا؟ وما ندري كيف يكون حالنا عند خاتمة الأمر وعند تطاير الصحف وعند وعند؟ والعبد دائماً وأبداً دائر بين الرجاء والخوف.
ويقول العلماء: إذا كان العبد في مقتبل حياته فيغلب جانب الخوف ليجتهد في الخير ويبتعد عن الشر، وإذا كان في أخريات حياته يغلب جانب الرجاء في الله سبحانه وتعالى، وهكذا فقد جاء النووي بهذا الحديث بعد حديث جبريل، وبعد حديث: (بني الإسلام على خمس) ليبين أن الأعمال بالخواتيم، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف شاء) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، ويجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.