قال صلى الله عليه وسلم: (ويؤمر بأربع كلمات) هذه الكلمات التي أشرنا أنها نوع من أنواع القضاء والقدر الذي قدره الله قبل أن يوجد العالم، وهو القدر الخاص بكل فرد.
فيكتب أجله، وهذا الأجل لا يمكن أن يزيد ولا ينقص، ويكتب رزقه، وعمله، ويكتب نهايته شقي أو سعيد، ويختم صحيفته، ولا يزيد في عمره ولا ينقص منه.
ولقائل أن يقول: كيف يحدد رزقه فلا يزيد ولا ينقص منه، مع وجود الأحاديث الأخرى: (من أراد أن ينسأ له في أثره، ويوسع له في رزقه؛ فليصل رحمه) وكيف ينسأ له في أثره؟ بمعنى: يزيد أي: يؤخر كما في قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة:106] أي: نؤخرها.
فقوله: (من أراد أن ينسأ له في أثره) أي: يؤخر ويطول عمره، (وأن يوسع له في رزقه ويزيد فليصل رحمه) ، مع أن الكلمات كتبت وحددت وعيّنت، وهناك الآية الكريمة: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] ، فكيف يمكن الجمع بين ما سبق وبين هذا الحديث؟ فيجاب على ذلك بقول النووي رحمه الله في شرح مسلم: للعلماء في الجمع بين هذه النصوص أقوال: إما أن المولى سبحانه كتب في هذه الصحيفة في قدر الإنسان وهو يعلم في علمه الأزلي أنه سيزيد له من عمره، ولكن هذه الكتابة الظاهرة هي التي أطلع عليها الملك، والتي يمشي بمقتضاها الملائكة الموكلون بأمر الإنسان، ثم هو في علمه سيزيد، وبعضهم يورد على ذلك اعتراضاً: إذا جاء الأجل المكتوب سيأتي ملك الموت.
والآخرون يقولون: الزيادة في العمر والتوسعة في الرزق على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، بمعنى إذا وصل رحمه بارك الله له في عمره بما قدر له، فلو كان عمره خمسين سنة، يبارك الله له في الخمسين، فيعمل فيها من الخير، ويحصل له فيها من توفيق الله كما لو كان يعيش إلى ثمانين أو تسعين سنة، وكذلك رزقه مقدر، له عشرة آلاف فهذه العشرة آلاف من أي نوع كان لن تكون أحد عشر ألفاً أبداً، كما لن تكون تسعة آلاف أبدا، ولكن هذه العشرة آلاف يطرح فيها البركة، بحيث تصبح أكثر من عشرين وثلاثين ألفا، وهناك عشرة آلاف منزوعة البركة لا تساوي ألفاً واحداً، فقالوا: (ينسأ له في أثره) أي: يبارك له في زمنه ووقته، كما لو عاش أكثر من ذلك.
ولقد وجدنا بعض العلماء وبعض الأشخاص في عمر قليل أنتجوا ما لم ينتجه الذين عمروا أضعاف ذلك العمر، وهكذا ما جاء في رزقه يبارك الله له فيه.