وفريضة الحج في العمر مرة، أما الصيام فيتكرر بتكرار الشهر، والصلاة تكرر بتكرار أوقاتها: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] فكلما تكررت الأوقات تكررت الصلاة، وكلما جاء شهر رمضان وجب الصيام.
أما حج البيت فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما أمر بالحج: (قالوا: يا رسول الله! أفي كل عام؟ فسكت ولم يجبهم، ثم قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج في العمر مرة) .
ويقول بعض العلماء: لماذا كان الحج في العمر مرة، مع أن أشهر الحج تتكرر كما يتكرر الصيام بتكرر رمضان؟ قالوا: الحج ليس للأشهر، والأشهر زمن للحج وظرف له، وإنما الحج للبيت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] والبيت واحدوليس متعدداً.
قالوا: لما كان المحجوج -وهو البيت- واحداً اكتفي بحج مرة واحدة، أما الصيام فإنه لذات الشهر: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فكلما جاء شهر رمضان وجب الصيام.
وهكذا أيها الإخوة نجد هذا الحديث مع الحديث الذي قبله يبين أن ما ذكر في جواب جبريل إنما هو بهذا الحديث أركان الإسلام.
ويقول بعض العلماء: لماذا لم يذكر الجهاد؟ لماذا لم تذكر الأمانة وغيرها؟ وأجيب عن ذلك: بأن البناء إنما هو للأركان الأساسية، كما إذا أردت أن تقيم بيتاً فبنيت الأعمدة والجدران فهذا هو قوام البيت، أما ما يكون بعد ذلك من اللياسة والبوية، والخشب، ومن الكهرباء، والماء، والبلاط، ومن تلك التتميمات فهي تتميم الإسلام، إنما الأركان الأساسية التي بها قوام البناء هي ما جاءت في هذا الحديث، فإذا ما سقط ركن منها سقط البيت أو مال من جهته، إذا انهدم عموده الأساسي -الصلاة- سقط كله، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ولهذا كما تقدم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) فإذا أقمت العمارة كاملة، ونسيت تركيب باب أو نافذة أحدثت نقصاً في تلك العمارة بقدر هذا النقص البسيط، وإذا ما أكملتها وكانت موادها جيدة كان البناء حسناً.
وهكذا يتم تشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام بالبناء بهذه المواد التي ذكرها صلى الله عليه وسلم.