وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعلمهن كثير من الناس" أي لا يعلم حكمهن من التحليل والتحريم وإلا فالذي يعلم الشبهة يعلمها من حيث إنها مشكلة لترددها بين أمور محتملة فإذا علم بأي أصل يلتحق زال كونها شبهة وكانت إما من الحلال أو من الحرام وفيه دليل على أن الشبهة لها حكم خاص بها يدل عليه دليل شرعي يمكن أن يصل إليه بعض الناس.
وقوله: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" مما يشتبه.
وأما قوله: "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" فذلك يكون بوجهين أحدهما:
أن من لم يتق الله وتجرأ على الشبهات أفضت به إلى المحرمات ويحمله التساهل في أمرها على الجرأة على الحرام كما قال بعضهم: الصغيرة تجر الكبيرة والكبيرة تجر الكفر وكما روي "المعاصي بريد الكفر".
الوجه الثاني: أن من أكثر من مواقعة الشبهات أظلم عليه قلبه لفقدان نور العلم ونور الورع فيقع في الحرام وهو لا يشعر به وقد يأثم بذلك إذا تسبب منه إلى تقصير. وقوله صلى الله عليه وسلم: "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه" هذا مثل ضربه لمحارم الله عز وجل، وأصله أن العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها وتخرج بالتوعد بالعقوبة لمن قربها فالخائف من عقوبة السلطان يبعد بماشيته عن ذلك الحمى لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع فيه لأنه قد تنفرد الفاذة1 وتشذ الشاذة ولا ينضبط فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة يأمن فيها وقوع ذلك وهكذا محارم الله عز وجل من القتل والربا والسرقة وشرب