قال الشراح لهذا الحديث: هذا حديث شريف عظيم بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مقدار تفضل الله عز وجل على خلقه: بأن جعل هم العبد بالحسنة وإن لم يعملها حسنة وجعل همه بالسيئة وإن لم يعملها حسنة وإن عملها سيئة واحدة فإن عمل الحسنة كتبها الله عشراً، وهذا الفضل العظيم بأن ضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف عليهم السيئات. وإنما جعل الهم بالحسنات حسنة لأن إرادة الخير هو فعل القلب لعقد القلب على ذلك. فإن قيل: فكان يلزم على هذا القول: أن يكتب لمن هم بالسيئة ولم يعملها سيئة لأن الهم بالشيء عمل من أعمال القلب أيضاً، قيل: ليس كما توهمت فإن من كف عن الشر فقد فسخ اعتقاده للسيئة باعتقاد آخر نوى به الخير وعصى هواه المريد للشر فجوزي على ذلك بحسنة، وقد جاء في حديث آخر: "إنما تركها من جرّائي" 1 أى من أجلى وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة" قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: "فليمسك عن الشر فإنه صدقة" 2 ذكره البخاري في كتاب الآداب فأما إذا ترك السيئة مكرهاً على تركها أو عاجزاً عنها فلا تكتب له حسنة ولا يدخل في معنى هذا الحديث.
قال الطبري: وفي هذا الحديث تصحيح مقالة من قال: إن الحفظة تكتب ما يهم به العبد من حسنة أو سيئة وتعلم اعتقاده لذلك ورد لمقالة من زعم أن الحفظة إنما تكتب ما ظهر من أعمال العبد أو سُمِع. والمعنى: أن الملكين الموكلين بالعبد يعلمان ما يهم به بقلبه ويجوز أن