ها تجيء فجائية "خرجت فإذا زيد واقف"، لا ليست فجائية "إذ طلع" نعم ظرف لما مضى، أو لما يستقبل، "إذ طلع" ها حين بمعنى حين، بمعنى الوقت.
"إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب" بمعنى حين، أقول: "رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد"، يعني أوصاف فيها شيء من التعمية؛ لأنه شديد بياض الثياب-نظيف الثياب-، "ولا يعرفه أحد" وليس بمسافر؛ لأن المسافر في الغالب يكون أشعثاً أغبراًً، "شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر" لكن قد يقول قائل مثلاً: إن هذه الأمور لا تستلزم، نعم الأصل في المسافر أنه أشعث أغبر، لكن هذا الأمر ليس بلازم؛ لأنه قبيل دخوله البلد يصلح من حاله فلا يرى عليه أثر السفر كما هو الحاصل الآن.
يقول: "شديد بياض الثياب" وهذا لا شك أن العناية بالثياب أمر مطلوب، وعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، فيجانب أهل الترف الذي ذكر عن بعضهم أنه يلبس في السنة ثلاثمائة وخمسين ثوباً -بعدد أيام السنة- بحيث لا يعود إليه أبداً، هذا لا شك أنه إسراف مذموم، ولا يمتهن نفسه بحيث يستقذر ويذم بسبب ذلك، فالمسلم لا شك أن له شأن عند الله، وله عزة، فلا ينبغي أن يعرض نفسه لامتهان الناس وازدرائهم إياه، "شديد بياض الثياب" والبياض مطلوب ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم)) فإنها أطيب وأنقى، هي أنقى باعتبار أن الأثر يبين فيها، فيسارع إلى إزالته بخلاف الثياب الملونة.