قد يوجد الحسد في النفوس وهذا كثير، وأصحاب المهن المتشاكلة المتماثلة يحصل بينهم كثير حتى مهنة العلم التي هي أشرف المهن يحصل فيها بين طلاب العلم هذه الصفة وهذه الخصلة الذميمة، وقد يحصل بين أهل العلم، لكن صاحب القلب السليم لا يحصل عنده شيء من هذا، قد يقول قائل: أنا والله جبلت على هذا، جبلت على هذا الحسد، إذا رأيت عند شخص ما ليس عندي تمنيت أن يزول عنه، بعض النفوس القلوب المدخولة يحصل عندها هذا، لكن يقول: هذا في نفسي، لا أبديه لأحد، لا أتحدث به عند أحد، ولا أعمل بمقتضى هذا الحسد، فهل يكون مثل هذا من حديث النفس الذي عفي عن الأمة ما لم تتكلم أو تعمل، ما دام في النفس ما أبداه، يتمنى أن تزول هذه النعمة، لكن ما تكلم بهذا، ولا سعى لزوال هذه النعمة، ما عمل، هل نقول: إن هذا من حديث النفس أو نقول: إن هذا هو الحسد المذموم وهو من أعمال القلب وقد تحقق وجد، من أدواء القلوب، من أمراض القلوب وقد وجد؟ الجمهور على أنه فيه النصوص ولو لم يتكلم ولو لم يعمل، ومن أهل العلم من يقول: إنه داخل في حديث النفس، وينصر هذا القول ابن الجوزي أنه ما دام ما تكلم ولا عمل، يكون مجرد حديث نفس تكرر في نفسك لست مؤاخذاً عليه، لكن القول بمقتضى هذا وإن كان يدل له الحديث حديث النفس إلا أنه قد يقتضي الاستمرار؛ لأن إذا أدخلناه في الحسد المذموم، ورتبنا عليه الوعيد الثابت في الحسد سعى الإنسان في معاجلة قلبه، وإذا قلنا: إنه داخل في حديث النفس وجائز لن يسعى في معالجة قلبه، فقول الجمهور لا شك أنه أولى وأقوى من جهة أن هذا العمل الذي تردد في النفس، نعم لو خطر على نفسك ثم طردته هذا لا يضرك، لكن كونه يتردد ويصير ديدنك هذا، كل من رأيت عنده نعمة تمنيت أن تزول، ولو لم تتكلم ولم تعمل هذا عمل القلب، كما أنه يؤجر على النية الصالحة يأثم بمثل هذا التمني، ولو لم يكن في ترجيح هذا القول إلا أن الإنسان يسعى لمعالجة قلبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015