لا، لا، المجال مفتوح، التوبة مقبولة قبل أن يغرغر، وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، وإذا تاب توبة نصوحاً بشروطها المعروفة عند أهل العلم فإن الله يتوب عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها، بل الأمر أعظم من ذلك، يتصور هذا الإنسان المسرف على نفسه أن السيئات التي ارتكبها وزاولها تقلب له حسنات، تبدل له حسنات، ومن الذي يحول بينه وبين ربه، وأي أمل أعظم من هذا، لا يكفي أن تهدم سيئاته، وإنما تبدل سيئاته حسنات، هذا الإسراف في هذه المدة التي زاول فيها هذه المعاصي تبدل سيئاته حسنات بالنص، حتى أن رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذه الحسنات المنقلبة عن سيئات تضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، فضل الله واسع، وإن كان المترجح أن البدل له حكم المبدل، وأن الحسنة حسنة واحدة؛ لأنها منقلبة عن سيئة، والسيئات لا تضاعف، والبدل له حكم المبدل، وبهذا ننفصل عن السؤال والإشكال الذي يورده بعضهم، يورد بعضهم إشكال حول تبديل السيئات حسنات، وأنه إذا افترضنا أن شخصين في السبعين من العمر، أو الثمانين أحدهما نشأ شاباً في طاعة الله، مقبلاً على ربه، عبادة ربه منذ أن وجد إلى أن بلغ الثمانين، وأعماله كلها طاعات لازمة ومتعدية، والثاني بلغ من العمر الثمانين وهو مسرف على نفسه في المعاصي والجرائم والكبائر والسيئات، ثم تاب لما بلغ الثمانين، قد يقول قائل: إذا كانت سيئات هذا الرجل العاصي المسرف أعماله السيئة ونشاطه فيها أكثر مما عمله ذلك من الحسنات، قد يكون أفضل منه، على كلام شيخ الإسلام، لو افترضنا أن عنده في خلال هذه الثمانين سنة مليون سيئة، والثاني عنده مليون حسنة، تاب هذا عن هذه المليون السيئة، وصارت عشر ملايين حسنة أقل شيء، ضوعفت، صارت حسنات ثم ضوعفت، صار أفضل من الثاني الذي نشأ في عبادة الله إلى الثمانين، والعدل الإلهي وعموم الشريعة ونصوصها وقواعدها لا يأتي بمثل هذا؛ لأن الشرع مدح من نشأ في طاعة الله، وقلبه معلق في المساجد، وجاء نصوص كثيرة في هذا الأمر، بينما هذا الشخص الذي نشأ على الشر والفساد وطيلة عمره، إذا قلنا: إن حسناته المبدلة من سيئات لا تضاعف، وحسنات الآخر مضاعفة انفصلنا عن هذا الإشكال، والقاعدة أن البدل له حكم المبدل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015