"أشعث أغبر" لأن الإنسان لا شك أنه يتأثر إذا لبس الجديد، أو ركب الفاخر الفاره، أو سكن المسكن الواسع الجميل، لا شك أن نفسيته تتأثر، بينما إذا لبس الوسط لا يقال: يلبس الرديء الخلق بحيث يزدريه الناس، لا، يتوسط في أموره، يركب المتوسط من المركوبات، يسكن المتوسط من البيوت، والدنيا ليست دار مقر وإنما هي ممر، فلا تكون محل عناية الإنسان وهمه الأول والآخر، إنما همه تحقيق ما خلق من أجله، وهو عبودية الله -جل وعلا-، والاستعانة بمتع هذه الدنيا؛ ليصل بذلك إلى تحقيق الهدف: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] وبعض الناس عكس جعل الهدف اللهث وراء هذه الدنيا، وجمع الحطام، والملبس الفاخر، والمسكن الواسع الفاخر، والمركب الفاره وهكذا.
يعني يأتي الإنسان ليجاور في بيت الله الحرام أو في مسجد رسوله -عليه الصلاة والسلام- ثم يبحث عن أرقى الفنادق، الأمر أقل من ذلك، أهون من ذلك، قد يشغله هذا المسكن عما هو بصدده، وقد لا يعان على اجتماع قلبه، إذا وقف بين يدي الله -جل وعلا- في مثل هذا المسكن، فالتوسط في الأمور هو المطلوب.
((أشعث أغبر يمد يديه)) يعني جاء في الخبر: ((البذاذة من الإيمان)) ولا يعني أن الإنسان يلبس الرديء من كل شيء، أو يأكل الرديء من كل شيء، أو يسكن الرديء بحيث يمقته الناس، ويزدرونه، المسلم عزيز بدينه، عليه أن يتوسط في أموره كلها، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].
((أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء)) ورفع اليدين في الدعاء جاء في أكثر من مائة حديث، وجُمع فيه أجزاء لأهل العلم، أجزاء في رفع اليدين في الدعاء وهذا هو الأصل ما لم يكن في عبادة، فإن العبادة تؤدى كما جاءت عن القدوة -عليه الصلاة والسلام-، الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا يرفع يديه في الصلاة إلا فيما جاء فيه الرفع، لا يرفع يديه في الخطبة إلا فيما جاء فيه الرفع وهكذا، أما ما عدا ذلك فالأصل في الدعاء رفع اليدين.