وكما نص على خلافة أبي بكر فقد نص أيضاً على خلافة عمر ولا يطعن فيها إلا فاسق فاجر، فإن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه في مرض موته جاءه عثمان فقال له: أرأيت من تستخلف؟ فتنفس الصعداء وكاد يتكلم فأغمي عليه فخشي عثمان موت أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فكتب الخلافة للناس فأفاق أبو بكر فقال له عثمان: ما تملي علي؟ قال أبو بكر: من كتبت؟ قال عثمان: كتبت عمر، قال: والله لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها، اكتب عمر فأقر كتابته، وقوله ذاك ليس تفضيلاً من أبي بكر لـ عثمان على عمر بل غاية ما يفهم منه أن عثمان أهل لها، ثم جاء الناس إلى أبي بكر فقالوا: كيف تولي علينا هذا الشديد الغليظ؟ كيف تجيب ربك وأنت تعلم شدة عمر؟ فقال: والله لو سألني ربي: لم وليت هذا عليهم؟ لقلت وليت عليهم أفضلهم وخيارهم.
ومن شدة عمر أنه كان إذا أراد أن يقرر البشر على حكم نزل عليه، واجتمع عليه الصحابة كان أول شيء يفعله: أن يقفل الباب على أهله، وهم في الدار جميعهم الصغير والكبير، ثم يقول: إني آمر الناس غداً بشيء والله لو وجدت منكم أحداً تجرأ علي لجلدته أمام الناس أجمعين، فكان عمر أشد الناس على أهله أولاً ثم على البشر، وهذا الذي جعل عائشة رضي الله عنها وأرضاها ترفض سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه زوجاً لأختها بعد أن تقدم يريد الزواج من أختها، ولما سُئلت عائشة: لماذا رفضته؟ بينت العلة وقالت: عمر شديد، والبنت صغيرة.
وممن أقر أبا بكر على اختياره لـ عمر خليفة بعده ابن مسعود رضي الله عنه فقد أُثر عنه أنه قال: أشد الناس فراسة ثلاثة: بنت الرجل الصالح شعيب لما قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص:26] فألمحت أنها تريده، وقالت: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26] فتزوجت نبي الله موسى وهو أفضل البشر على الإطلاق في وقته.
وعزيز مصر لما قال: {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف:21] يوصي امرأته أن تكرم يوسف عليه السلام.
وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما تصرف في خلافة عمر.