إذا ارتقى المرء إلى درجة المحبة أو المحبوبية صار ولياً لله, وله مكافأة في الدنيا وفي الآخرة, أما في الدنيا فقد قال الله تعالى: {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] يعني: لا خوف عليهم في دينهم فلا يفتنون في الدين، ولا يفتن في دينه إلا من كان منافقاً أو في قلبه دغل، أما الخوف والحزن في الدنيا فهذا لا يسلم منه أولياء الله، وكم في السجون من أولياء الله المتقين، وليس هذا نفياً لخوفهم في الدنيا من الله، ففي الحديث القدسي: (لا أجمع لعبدي خوفين وأمنين، من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة).
إذاً: أولياء الله لا خوف عليهم في الدنيا من جهة دينهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ماذا يريدون مني؟ إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة, وإن سجنوني فخلوة لربي، أنا جنتي في قلبي، فهذا لا خوف عليه؛ لأن قلبه ثابت، ولو قطع صدره ورأسه بالمناشير فقلبه ثابت بالإيمان لا يفتتن، فلا خوف عليه بحال من الأحوال؛ لأنه ولي، فأعظم فوائد الولاية التثبيت, فهو مثبت من قبل الله بقلبه، ولما فزع الصحابة من فتنة القبر وهي أعظم فتنة يراها المرء أنزل الله آية تسكن قلوبهم؛ لأنهم أولياء لا خوف عليهم، قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27].
أيضاً: لا خوف عليهم في الدنيا من أن تستأصل شأفة المسلمين، ولو اجتمع مشارق الأرض ومغاربها على أهل الإسلام، فستبقى أمة وطائفة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم.
أيضاً لا يحزنون في الدنيا حزناً يجعلهم يتقاعسون عن عبادة الله, فهذا هو الحزن المذموم, لكن قد يصابون بالهم والغم، لكن لا يصل بهم الحزن إلى أن يتقاعسوا عن عبادة الله أو يقنطوا من رحمة الله جل وعلا.
قال الله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:64] , أما في الحياة الدنيا فالملائكة عند الموت تبشرهم برحمة الله ورضوان الله وجنات عند ربهم جل وعلا, وفي الآخرة يفرحون بما يرون عند الله جل وعلا.
أيضاً: من المكافآت ما جاء في الحديث القدسي: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها) , ومعنى: (سمعه الذي يسمع به) أنه يكون عبداً موفقاً مسدداً من قبل الله؛ لأنه ولي لله, فأغلق عليه باب المعصية، أما سمعتم رجلاً يقول: أريد أن أدخل المسجد لأصلي لله، وما أعلم ما يمنعني، كلما أذهب أرجع؟! أما رأيتم عبداً يقول: أتقصد مكان تجمع النساء لأنظر إليهن، فما أرى أحداً منهن في الشارع؟! فهذا عبد موفق مسدد، الله جل وعلا اتخذه ولياً، فلا يرى إلا ما يحبه الله, ويعصم الله بصره من المعاصي، كما فعل الله جل وعلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الجاهلية قال له عمه العباس: اخلع إزارك واحمل الحجارة، ففعل فأغشي عليه، وفي بعض الروايات أنه مر بلهو فسمع الغناء فأغشي عليه وما سمع، وإن كان في الإسناد كلام، فهو محفوظ من قبل الله جلا وعلا.
أما العبد الذي خلع الله عنه الحفظ فهو يتوه ويتخبط في الأرض في معاصي الله, بينما العبد المسدد المثبت الموفق الذي اتخذه الله ولياً لا يرى إلا ما يحبه الله, (وبي يسمع) لا يسمع إلا القرآن، لا يسمع إلا مجالس العلم، لا يسمع إلا الذكر، وإن جاءته الشهوة فالله جل وعلا يذكره ما يجعله يخاف من الله فيرجع عن المعصية، وإن عصى فالله يوفقه للتوبة.
(وبي يبطش) كما قال الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] وهذه لا تكون إلا لأولياء الله، فالله يغربل الناس، والنصرة ستأتي على يد قوم قال فيهم رسول الله: (لن يهزم اثنا عشر ألفاً من قلة)، فهؤلاء هم الأولياء بحق، هم الأتقياء بحق، هم الذين حققوا الدين ظاهراً وباطناً.
وتمام مكافأة الولي قال: (ولئن سألني لأعطينه) , فمن رأى في نفسه أنه يحقق الدين ظاهراً وباطناً فليرفع يده، فإن الله جل وعلا حيي كريم لن يرده خائباً.
(ولئن استعاذني لأعيذنه) إن استعاذه من شيء فالله يسارع فيما يرضيه.
ثم قال: (وما ترددت في شيء أنا فاعله مثل ترددي في قبض روح المؤمن)، انظروا إلى مكانة الولي عند الله جل وعلا! الله اصطفاه واتخذه وليه ومع هذا يتردد في قبض روحه؛ لأنه يتردد في إساءته, انظروا كيف يسارع الله جل وعلا في مرضاة عبده الولي!