ثم حانت الفرصة لنشر الإسلام بعدما استتب الأمر وانتهت فتنة الردة، فبدأت الفتوحات قرب موت أبي بكر، فمنّ الله على أبي بكر بفتح أبواب الفتوحات الإسلامية، فقد بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه والمثنى بن حارثة إلى أهل فارس لفتح العراق، وبعث خالد بن الوليد إليهم بثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فبعثوا إليه وقالوا: إن أردت في كل عام أن تأتينا ثم نعطيك الدراهم والملابس لهؤلاء الرعاع فخذ منا، فبعث خالد إليهم بالكلمة المشهورة التي أرعبتهم وأخمدت عروشهم، قال خالد بن الوليد: جئتكم بأناس بحبون الموت كما تحبون الحياة، وفي رواية أخرى أنه قال: جئتكم بأناس يحبون الموت كما تحبون أنتم الخمر، ثم وقعت المعركة، وأصبح القتل يميناً ويساراً بأهل الفرس، وفتح الله على يديه العراق.
ثم بعث إليه أبو بكر بأن يذهب لتأديب الروم، فكانت المعركة الكبرى التي تقابل فيها أربعون ألفاً أمام مائة وأربعين ألفاً، وهي معركة اليرموك، التي مات أبو بكر قبل أن ينتصر المسلمون فيها، فهو الذي أصر على تأمير خالد رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن عمر جاء أكثر من مرة إلى أبي بكر يقول له: اعزله، فيقول: لا والله، لا أغمدن سيفاً قد سله الله وسله رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: والله لأقطعن عنهم وساوس الشيطان بـ خالد بن الوليد، وهذا الذي جعل ملك الروم يقول لـ خالد: من أنت؟ أأنزل الله لك سيفاً من السماء تقاتل به فلا تهزم أبداً؟ ذهب خالد عبر الصحراء حتى وصل الشام، ثم بعث أبو بكر إليهم بالكتاب وقال فيه: إذا جاءكم خالد فأمروه عليكم، ونزل أبو عبيدة وجميع المسلمين تحت إمرة خالد وهم أربعون ألفاً وجيش الروم مائة وأربعون ألفاً، لكن خالد كان بطل الحروب، فهو الذي لم يهزم في معركة بإذن الله، حتى في قتال المسلمين حين كان كافراً، ففي أحد كان هو سبب هزيمة المسلمين، فقد قام بخبرته العسكرية بعد اليقين بالله جل وعلا، والإيمان الراسخ، فعمل ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة، فجعل أبا عبيدة -أمين هذه الأمة- في الخلف، وجعل نفسه في المقدمة، وأحد الصحابة في الميمنة والآخر في الميسرة، ثم دخل إلى قلب الروم إلى خيمة رئيسهم، وقتل منهم ثم رجع، وهكذا أخذ بالكر والفر حتى هزم الروم، وكتب الله للمسلمين النصر، ثم جاءت البشارة إلى عمر بعدما مات أبو بكر، الذي كان سبباً في هذه المعركة الخالدة التي تبين أن النصر حليف المسلمين لا محالة، وإن كانوا أقل عدة وعتاداً، وذلك إذا تمسكوا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا صدقوا في نصرة الله وفي نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا رفعوا راية التوحيد، فلو تكالب الجن والإنس على أهل الإسلام الذين رفعوا راية لا إله إلا الله فإن النصر سيكون لأهل الإسلام، كما قال شيخ الإسلام مقعداً قاعدة عظيمة قال: إذا التقى الجيشان: فإن كانا كافرين جعل الله الغلبة للأقوى، وإن كان الجيش الأول مسلماً والآخر كافراً جعل الله النصرة لأهل الإسلام.
فجعل الله النصرة في معركة اليرموك لـ خالد ولأصحابه رضوان الله عليهم؛ لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وصدقوا في نصرة الله جل وعلا.