الأمر الثاني: وهو أشد من الأول، حيث كان المسلمون في قلة، والردة كثيرت قام أبو بكر فأمر أسامة على جيش حتى يؤدب القبائل العربية التي تخضع لحكم الروم، وحتى يثأر أسامة رضي الله عنه وأرضاه لأبيه زيد ولـ جعفر ولـ عبد الله بن رواحة - الذين استشهدوا في غزوة مؤتة - فأمره على جيش عرمرم، وأراد أن ينفذ هذا الجيش، فجاء الأنصار والمهاجرون يقولون: يا عمر! اذهب إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العرب قد رمتنا عن قوس واحدة، والكل ينظر إلينا، وإن المدينة ستخرب إذا ذهب هذا الجيش، أي: لا بد أن يبقى هذا الجيش مرابطاً لحماية المدينة، فقال عمر لـ أبي بكر: كيف ينفذ جيش أسامة والمدينة فيها ما فيها وأنت ترى ما ترى من ردة العرب! فقال: والله لينفذن هذا الجيش؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك قبل وفاته، والله لا أغيرن أمراً أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا يتجلى بوضوح أن المتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الفائز، ودائماً هو على الصواب، ولو خالفه أهل الأرض كلهم فإن الله سيظهر أن الحق معه، فلما علم الأنصار أنه لن يتراجع عن هذا الأمر طلبوا من عمر أن يطلب منه أن ينحي أسامة عن إمارة الجيش؛ لأنه شاب صغير فكيف يكون أميراً على هذا الجيش العرمرم، الذي سوف يذهب إلى الروم؟ فكلمه عمر، فقال: ثكلتك أمك يا عمر، قد رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المنزلة، أأضعه أنا! لا والله، إمارة الجيش لـ أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، ثم كلمه الناس أن يجعل عمر رضي الله عنه وأرضاه معه مشيراً ومعيناً، فنزل أبو بكر لهذا الرأي، ثم ذهب مع أسامة يودعه، فغبر قدمه في سبيل الله، فقد كان يمشي على الأرض، وأسامة -أمير الجيش- يقول: يا خليفة رسول الله! إما أن تركب وإما أن أنزل، قال: لا، والله لأغبرن قدمي في سبيل الله سبحانه وتعالى، ثم أوصاه بوصايا، يا ليت أهل الكفر يسمعون هذه الوصايا، وكانت عشر وصايا أجلى ما فيها قال له: اغزوا باسم الله، كما وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتلوا من كفر بالله جل وعلا، ثم قال: لا تقتلوا شيخاً كبيراً، ولا طفلاً وليداً، ولا راهباً في صومعته، ولا تقلعوا شجرة، ولا تحرقوا زرعاً.
هذه الوصايا لو سمعها أهل الكفر لسكتوا عما يقولون عن الإسلام والمسلمين، ولرأوا الفارق الكبير بين تعاليم الإسلام وبين ما يفعلون في حروبهم، فنحن اليوم نرى وأد البنات، قتل الأطفال، هدم البيوت، في فلسطين وفي غيرها، عجب تسمع! لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.
فبعد هذه التعاليم التي جاء بها ديننا الحنيف ما بال هؤلاء القوم الأوباش أحفاد القردة والخنازير يتهموننا بالإرهاب، وهم الذين قتلوا أنبياء الله جل وعلا، وارتقوا بعد ذلك فسبوا الله جل وعلا، ثم يتنطعون ويرموننا نحن بالإرهاب؟! أما سمعوا وصية أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه: لا تقتلوا وليداً، لا تقتلوا امرأة، لا تقتلوا شيخاً كبيراً، لا تقلعوا شجرة، لا تهدموا بيتاً، لا تحرقوا زرعاً؟! هذه هي الوصايا التي على كل إنسان أن يعلو صوته بها ليبين سماحة هذا الدين، وأن هذا الدين هو أعظم الأديان، وأنه الحق المبين، ومن خالف هذا الحق فله الخلود في نار جهنم، والعياذ بالله.